بمناسبة ذكرى 9 أبريل 1947 للدكتور محمد كنون الحسني

بمناسبة ذكرى 9 أبريل 1947 للدكتور محمد كنون الحسني

 

بمناسبة ذكرى 9 أبريل 1947

 

بتاريخ التاسع من أبريل من كل سنة تحل ذكرى زيارة الوحدة التي قام بها الملك الراحل محمد الخامس سنة 1947 إلى مدينة طنجة التي كانت ترزح تحت الحماية الدولية، ،حيث كانت هذه الزيارة منعطفا هاما في مسيرة النضال الوطني من أجل الاستقلال، وفصلا متميزا من تاريخ الحركة الوطنية والنضال السياسي، فصل بين عهدين عهد الصراع بين القصر والإقامة العامة، وعهد الجهر بالمطالبة بحق المغرب في الاستقلال أمام المحافل الدولية وإسماع صوت المغرب بالخارج.

 كما كانت هذه الزيارة التاريخية لجلالة المغفور له محمد الخامس إشارة واضحة  لوحدة المغرب وتماسكه، وتلاحم أبنائه بالعرش العلوي المجيد، وولائهم وتمسكهم بملكه المجاهد، وما أن علمت سلطات الحماية بعزم جلالته رضوان الله عليه على هذه الرحلة، حتى عمدت إلى محاولة إفشال هذا المخطط وزرع العراقيل  في طريق إنجازه. فارتكبت مجزرة شنيعة بمدينة الدار البيضاء يوم 7 أبريل  ذهب ضحيتها مئات المواطنين الأبرياء، وسارع جلالة المغفور له محمد الخامس إلى زيارة عائلات الضحايا ومواساتها معبرا لها عن تضامنه معهم، فقد اختلقت السلطات الاستعمارية أسبابا أوهن من بيت العنكبوت لتدفع رئيس ناحية الدار البيضاء “بونيفاس” جنوده إلى ترويع وقتل المواطنين بكل من أحياء ابن مسيك وكراج علال ومديونة ودرب الكبير والأحياء المجاورة دون تمييز بين الأطفال والشيوخ والنساء، فسقط المئات من المواطنين بين شهداء وجرحى ومعطوبين، واعتقل العديد من الوطنيين والنقابيين والمناضلين.

 ولقد فطن جلالة المغفور له محمد الخامس إلى مؤامرات ودسائس المستعمر التي كانت تهدف إلى ثني جلالته عن عزمه في تحقيق التواصل مع رعاياه الأوفياء بشمال المغرب، فعزم على مواصلة المسير وتنفيذ ما قرره .

فانطلق رحمه الله يوم 9 أبريل1947،على متن القطار الملكي من مدينة الرباط عبر مدينتي سوق أربعاء الغرب، ثم القصر الكبير التي خصص بها الأمير مولاي الحسن بن المهدي استقبالا حماسيا، احتفاء بمقدمه في حشد جماهيري كبير، وهي الصورة التي كسرت العراقيل التي دبرتها سلطات الحماية ليتأكد التلاحم المتين والأواصر القوية التي جمعت على الدوام بين العرش العلوي المجيد والشعب المغربي الأبي ، وتتكرر نفس الصورة بنفس الحماس حين وقف الملك المجاهد بمدينة أصيلة وأحيى الرحم مع أبنائها الذين جددوا له الولاء والبيعة، وواعدوه على السير وراء جلالته في مسيرة النضال والكفاح من أجل تحرير المغرب واستقلاله .

وحين حل بمدينة طنجة يوم الأربعاء تاسع أبريل خصصت ساكنة هذا الثغر استقبالا حارا للموكب الملكي جددت من خلاله تمسكها وتفانيها في الإخلاص لثوابت الأمة ومقدساتها واستعدادها للدفاع عن كرامة البلاد وعزتها، وألقى جلالته خطابه التاريخي في فناء حدائق المندوبية بحضور ممثلين عن الدول الأجنبية وهيئة إدارة المنطقة وشخصيات مغربية وأجنبية، ليعلن للعالم أجمع عن إرادة الأمة وحقها في استرجاع استقلال البلاد ووحدتها الترابية، حيث قال جلالته “إذا كان ضياع الحق في سكوت أهله عليه فما ضاع حق من ورائه طالب، وإن حق الأمة المغربية لا يضيع ولن يضيع …”، كما أكد جلالته من خلال خطابه نظرته الصائبة رحمه الله وطموحاته النبيلة نحو مستقبل المغرب حيث قال جلالته بهذا الخصوص “فنحن بعون الله وفضله على حفظ كيان البلاد ساهرون، ولضمان مستقبلها المجيد عاملون، ولتحقيق تلك الأمنية التي تنعش قلب كل مغربي سائرون .

وإضافة إلى ذلك كان لهذه الزيارة جانب روحي، إذ ألقى جلالته باعتباره أميرا للمؤمنين، يوم 11 أبريل، خطبة الجمعة وأم المؤمنين بالصلاة في المسجد الأعظم بطنجة، وحث الأمة المغربية على التمسك برابطة الدين، فهي الحصن الحصين لأمتنا ضد مطامع الغزاة، حيث قال رحمه الله في هذه الخطبة:

الحمد لله الذي دعا لطاعته ، وأوضح سبيل جنته، وأمرنا أن نكون إخوانا ، وعلى البر والتقوى أعوانا ، أحمده سبحانه على ما أولى وأشهد أنه الله العلي الأعلى ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده المختار ، ورسوله الكريم البار ، بعثه وحبل الدين في انفصام ، وجمر الباطل في اضطرام ، فلم يزل في الدعوة إلى الإسلام والتآخي والوئام حتى ظهر الحق واستقام الخلق ،صلى الله عليه وسلم وعلى آله الذين شرفوا بقربه وأصحابه الذين أشادوا قواعد دينه .

أما بعد ، من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه ، ولا يضر الله شيئا .

أيها الناس تمسكوا برابطة الدين ، فهي الحبل المتين ، والحصن الحصين ، والملجأ الذي ركن إليه آباؤنا الأولون ، وأجدادنا الموفقون ، ففتحوا البلاد ، ومصروا الأمصار ،وسادوا العباد ، وأناروا الأفكار ، وأسسوا للعلم معاهده ، وللدين مساجده ، وللبأس مرابده ، وأنقذوا العلم من مخالب الجهل والفساد ، وحرروه من ربقة الاضطهاد ، فكانوا أحسن الناس حالا ، وأسعدهم مآلا ، وأعلاهم مقاما ، وأصوبهم كلاما ، وأعظم برابطة دين ألف بين القلوب المتنائية ، والشعوب المتنافرة المتعادية ، وسن الحرية الشخصية ، وعرف الحقوق البشرية ، ولاقى المرشد الأعظم صلى الله عليه وسلم في سبيل نشره كل أذية ،وسبة بذية ، ومعارضة فعلية لم تزده إلا ثباتا في عزيمته ،وصدقا في نيته ،وعدم اكتراث بالصعوبات ، وأنواع المصادمات حتى اعتز الحق وانتصر ، وأخفق الباطل واندحر .

إن رابطة دين الإسلام جعلها الله لحمة واصلة ، وعلاقة دينية عاملة ، تجعل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يشعرون شعورا واحدا ،ويعملون عملا متحدا ، لا يلذ لهم رقاد إلا إذا سعد كل الأفراد ، واطمأنت كل البلاد ، وما كان للمسلمين أن يختلفوا بعدما وحدهم الدين ، وجمعتهم لغة القرآن المبين ، وندبهم الرسول الصادق الأمين إلى التآخي والتأزر والاتحاد والتناصر ، أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :       ” إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تجسسوا ، ولا تنافسوا ، ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا ” وأخرج البخاري في الأدب المفرد والإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” المؤمن مرآة المؤمن ، والمؤمن أخوا المؤمن ، يكف عليه ضيعته ، ويحوطه من ورائه ”

ما كان للمسلمين أن يعملوا مغرضين ويتعاملوا متباغضين ، ويجتمعوا متنافرين ، ويفترقوا متناكرين قد استحكمت أهواؤهم ، وتضاربت آراؤهم بعدما سمعوا خطاب رب العالمين ” يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ” .

ما كان للمسلمين إذا دعوا إلى التعاون على الأعمال البرية والمصالح الاجتماعية  وتأسيس الجمعيات التعاونية والشركات الاقتصادية واللجان التعليمية أن يتكاسلوا عن مد الساعد وتخفيف الشدائد بعدما سمعوا الخطاب الإلهي : “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان “.

إن الأمة الإسلامية لا تتحقق لها أمنية ، ولا تعيش محترمة الجانب ، محققة الرغائب ، إلا إذا اجتمعت كلمتها ، وتمكنت وحدتها ، واتحدت قلوبها ، واتفقت مبادئها ، واعتصمت بالأخوة ورابطة الدين وتعاليم القرآن المبين ، وابتغت إلى الله الوسيلة بأداءواجبها نحو دينها وأبنائها وأولي الأمر منها .

” يا أيها الذين ءامنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ”

” يا أيها الذين ءامنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ” ” يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم “.

               وأسأل الله رب العلمين أن يغفر لي ولكم ولسائر المسلمين .

 

الخطبة الثانية :

                      الحمد لله الذي خص من شاء بما شاء من مزايا الفضل والرعاية والاقتداء ، أحمده تعالى وأشكره وأتوب إليه ، وأستغفره وأشهد أنه الله الأحد الفرد الواحد الصمد ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده الذي حذر من الأعمال القبيحة ورسوله الذي جعل الدين النصيحة ، صلى الله عليه وعلى آله الكرام وأصحابه القادة الأعلام .

أيها الناس ،أخرج الإمام مسلم عن تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الدين النصيحة قلنا لمن ؟ أو قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم . فالنصيحة لمنزلتها العظيمة ، وفائدتها العميمة ، جعلها الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم قوام الدين ، وعماده المتين ، وهي لله بتوحيده ، والقيام بطاعته ، واجتناب معصيته ، والإخلاص في عبادته ، ولكتابه بتدبر تلاوته ، وتبصر قراءته ، والعمل بأوامره ، والوقوف عند زواجره ، والإتعاظ بعظاته ، والتفكر في عبره ، وآياته ، ولرسوله بإحياء طريقته ، ونشر سنته ، ونصرة المنتصرين ،ومحاربة الدجاجلة المبتدعين ،ولأئمة المسلمين بطاعتهم ، والإخلاص في ولائهم ، وجمع القلوب على محبتهم ، والدعاء لهم بالتأييد والتوفيق والتسديد ، ولعامتهم بإرشادهم ، ونصيحتهم وإسداء الخير لهم ، والسعي في مصالحهم ،والذب عن حقوقهم . ونحن بما استرعانا الله من من أمركم وحملنا من شأنكم ، لا نألوا جهدا في الدفاع عن حوزتكم ، ورتق خللكم ، وإصلاح حالكم ، لا نعلم وسيلة لخيركم إلا نتخذها ، ولا طريقا لنجاحكم إلا نسلكها ، علما أن الحياة السعيدة قوامها العلم والأخلاق الحميدة ، فمهدنا لتعميم التعليم الأسباب ، وفتحنا في وجوه الطلبة الأبواب ، وأعدنا لكلية العرفان بهجتها ، وأقمنا معالمها ، أحببنا أن يكون هذا القطر السعيد ممتعا بمزايا ماضيه الحميد ، وأن يرتع أهله في مراتع السعادة ، ويتبوأوا مقاعد السيادة ، فقمنا على ساق الجد والإجتهاد لإحياء مجد الأجداد ، وتطهير الأرض من الفساد ، وبناء صرح عصر زاهر ، معتصمين في كل حين بالله العظيم ، ” ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ” ، فالواجب على أفراد رعيتنا أن يسعوا في رضانا لأن فيه رضى الله ، وأن يلتفوا حولنا كما أمر الله ، مخلصين في طاعتنا ونصحنا ومحبتنا ، باذلين الجهود في خدمة الدين والبلاد ، والتهذيب والإرشاد ، صادقين في الأقوال ، متكاثفين في الأعمال ، مراقبين لله في كل الأحوال ، متمسكين بعرى الشريعة ، راكبين من الاستقامة فلكا منيفة ، داعين لسائر الأمراء المسلمين بالصلاح والفوز والنجاح في مساعيهم المتوالية لصالح الأمة الإسلامية والوحدة العربية رافعين أكف الضراعة قائلين :

اللهم أكرمنا ولا تهنا ، وأعطنا ولا تحرمنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، اللهم اصلح ذات بيننا ، وألف بين قلوبنا ، واهدنا سبل السلام ، اللهم أعدنا إلى أفضل عادتنا وسالف مجدنا وسابق عزنا ، اللهم وفقنا لكل عمل مبرور ، وصنيع مشكور ، وخير مذكور ، يا أرحم الراحمين يا رب العالمين ، ويغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين .