بمناسبة السنة الميلادية الجديدة للدكتور محمحد كنون الحسني

بمناسبة السنة الميلادية الجديدة للدكتور محمحد كنون الحسني

بمناسبة السنة الميلادية الجديدة

استقبلنا منذ أيام قليلة سنة هجرية جديدة، واحتفلنا بذكرى عظيمة غالية، ذكرى هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة  إلى المدينة المنورة، تلك الذكرى الغالية  التي لا نجد لها مثيلا في الحديث ولا في القديم، لما ترتب عليها من الآثار الجليلة في الإصلاح الاجتماعي وترقية النفوس والأرواح وبث مكارم الأخلاق. فوقفنا على تلك الآثار واستحضرنا الانتصارات والإنجازات وكل ما حملته أيامنا الماضية وعصونا الخالية، فافتخرنا بتاريخنا وعددنا أعمال أسلافنا وما صنعوه وأبدعوه وخلدوه، ثم نظرنا إلى واقعنا وأحوالنا وما آلت إليه أو ضاعنا فعددنا النكبات وكثرة الآهات والتحسرات.

ونستقبل في هذا الأسبوع سنة ميلادية جديدة، فنستحضر ما حوته السنة التي نودعها من أحداث، وما انطوت عليه من وقائع ومستجدات، ومن ودعنا فيها من رجال العلم والفكر والسياسة…

إنها ثلاثمائة وخمسة وستون يوما طويناها من عمرنا دون أن نسأل أنفسنا ما ذا استفدنا منها؟ وماذا قدمنا فيها من أعمال تنفعنا يوم لقاء ربنا؟ وماذا أنجزنا فيها من الأعمال الموكلة إلينا مما ينفع أهلنا ومدينتنا ووطننا؟ هل أدينا واجبنا بأمانة؟ وهل أخلصنا النية والعمل في كل ما قمنا به؟ وكم من الوقت ضيعنا فيها؟ وكم من الأعمال أهملناها فضيعنا بها على أنفسنا وأهللنا وأمتنا الشيء الكثير؟ وكم، وكم، وكم…..

إنها أسئلة لو طرحها كل منا على نفسه لتأسف على كل لحظة مرت من عمره، ولحاسب نفسه على كل عمل قام به، وعلى كل ما فرط فيه لنفسه أو أهله أو بلده، ولو استحضر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن شبابه فيما أبلاه ، وعن عمره فيما أفناه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل فيه )  

إن من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان في هذه الحياة ما أوجد له من الأوقات والأزمان التي هي فرصة عظيمة لتحقيق الحياة الكريمة في الدنيا والآخرة ولأجل هذا إمتن تعالى على عباده بهذه النعمة في كتابه الكريم في مواضع متعددة قال سبحانه: (هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون) وقال أيضا: (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) بل لقد أقسم سبحانه وتعالى بالوقت في آيات عظيمة من كتابه، والله عز وجل لا يقسم بشيء من خلقه إلا لأهميته وعظمته ولفت الأنظار إليه والتنبيه على مكانته وجلالته، قال سبحانه: (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى) وقال سبحانه: (والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر هل في ذلك قسم لذي حجر) وقال سبحانه: (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).

إن الوقت هو حياة الإنسان وعمره الذي هو أنفاس تتردد وأمال تتعدد تضيع إن لم تتحدد، فالحياة ما هي إلا دقائق معدودة وثوان محدودة ولحظات محسوبة وإن طالت في نظر بعض الناس، تمر بالإنسان متوالية متتابعة في ساعات وأيام ،وشهور وأعوام ،كلما مر منها شيء ذهب معه العمر حتى ينتهي ذلك إلى الدار الآخرة يقول حسن البصري رحمه الله: يا ابن آدم إنما أنت أيام كلما ذهب يوم مضى بعضك،   نعم إن الليل والنهار هما رأسمالك في هذه الحياة ربحهما ثمنه الجنة، وخسرانهما جزاءه النار.
فلو جمعنا بين استغلال الوقت والمحافظة عليه وبين محاسبة النفس وتربيتها على الحرص على الأمانة والقيام بالواجب لما تحسرنا في نهاية كل سنة على واقعنا وعددنا نكباتنا ومشاكلنا، لو حرص كل على استغلال وقته وعلى أداء أمانته واستحضر في كل وقت وحين قوله تعالى: ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن بحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) لما وجدت موظفا خارج مبى الإدارة ساعة العمل، ولا وثيقة غير جاهزة فوق مكتب، ولا مالا مهدورا ولا مستغلا، ولا تلميذا مهملا، ولا مسؤولا مرتشيا…ولا .. ولا 

لو اقتطع كل واحد منا كل يوم خمس دقائق يسائل فيها نفسه قبل أن ينام:

ما ذا فعل في يومه؟

ما ذا قدم لنفسه من أفعال الخير؟

ما ذا فعل بوقته؟ هل ضيعه كله أو بعضه؟ هل أنفقه في الخير أم الشر؟

ما مقدار الوقت الذي قضاه في طاعة الله؟ وهل أدى صلواته في وقتها؟

ماذا ضيع من وقته؟ وأين؟ وكيف؟ ولماذا؟

هل أدى عمله بأمانة؟ وهل قدم لنفسه ولأمته أعمالا وأسدى إليها معروفا؟

ثم عاهد نفسه على تصحيح أخطاء اليوم في الغد فإن الحول سيدور علينا ونستقبل سنة جديدة وقد حققنا الكثير  وانطلقنا على الطريق الصحيح الذي نتحدث فيه عن إنجازاتنا وأعمالنا عوض أن نستعرض تاريخنا وعمل أسلافنا ونتحسر على واقعنا وعلى ما ضاع منا وما أضعناه نحن على أبنائنا.