فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم للدكتور محمد كنون الحسني

 

  • فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

     

    يقول سبحانه وتعالى فِي مُحْكَمِ كِتابِهِ ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾،الصلاة من الله ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، ثناؤه عليه، وذكره بأوصافه الجميلة عند الملائكة، وتطلق الصلاة من الله على الرحمة، كما قال سبحانه(هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) يعني: يرحمكم ويثني عليكم سبحانه وتعالى، فثناء الله على عبده عند الملائكة هو ذكر أوصافه الجميلة العظيمة، هذه صلاة الله على عبده، ويدخل فيها أيضاً رحمته لعباده، وإحسانه إليهم.

    وصلاة الملائكة الدعاء، دعاؤهم للمصلى عليه، وترحمهم عليه وثناؤهم عليه، وصلاة المومنين على رسولهم المبعوث رحمة لعالمين دعاء وتَّعْظِيمُ فَاللهُ عَظَّمَ قَدْرَ نينا سيدنا محمَّدٍ وأَمَرَنا أَنْ نَطْلُبَ مِنْهُ سُبْحانَهُ أَنْ يَزِيدَ ه تشَرَفًا وتَعْظِيمًا وأَنْ نَطْلُبَ لَهُ السَّلامَ أَيِ الأَمانَ مِمَّا يَخافُ عَلَى أُمَّتِهِ.

    لقد اصطفى الله نبيَّنا سيدنا محمدًا – صلى الله عليه وسلم – لتحمُّل أعباء الرسالة وتبليغ الشريعة، النبيُّ المُعظَّم، والرسول المُكرَّم، سيدُ ولد آدم بالاتفاق، وخيرُ أهل الأرض على الإطلاق، سيدُ المرسلين والمُقدَّم لإمامتهم، وخاتم النبيين وصاحب شفاعتهم، أول من تنشقُّ عنه الأرض يوم القيامة، وأول شافعٍ يوم القيامة، وأول من يجوز الصراط من الرسل بأمته يوم القيامة، وأكثرُ الأنبياء تابعًا يوم القيامة، صاحبُ اللواء المعقود، والمقام المحمود، والحوض المورود، عبدُ الله المُصطفى، ونبيُّه المُجتبَى، ورسوله المُرتَضَى.

    يقول عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما -: “ما خلق الله وما ذَرَأ وما بَرَأ نفسًا أكرمَ عليه من محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، وما سمعتُ الله أقسمَ بحياة أحدٍ غيره“.، قال ابن كثير – رحمه الله تعالى -: “وأقسمَ بحياته، وفي هذا تشريفٌ عظيمٌ، ومقامٌ رفيعٌ، وجاهٌ عريض“. 

    وإظهارًا لفضله – صلى الله عليه وسلم -، وعظيم شرفه، وعلوِّ منزلته ومكانته، شرَعَ الله الصلاةَ على النبي – صلى الله عليه وسلم ، وجعلها قربةً جليلةً، وعبادةً عظيمة، قال – جل في عُلاه -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا  

    وينالُ العبدَ من ثواب الله وكرمه، ومغفرته بسبب صلاته على أشرف الخلق – صلى الله عليه وسلم – ما يشاء الله أن يناله من ثواب عظيم وأجر كبير؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال«من صلَّى عليَّ واحدةً صلَّى الله عليه عشرًا».

    وعن أنسٍ – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى عليه عشر صلوات، وحطَّ عنه عشر خطيئات، ورُفِعت له عشرُ درجات» .

     

    وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «ما من مسلمٍ يُصلِّي عليَّ إلا صلَّت عليه الملائكة ما صلَّى عليَّ، فليُقِلَّ العبدُ من ذلك أو ليُكثِر»؛

    وعن أوس بن أوسٍ – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خُلِق آدم، وفيه قُبِض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثِروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضةٌ عليَّ». فقالوا: يا رسول الله! وكيف تُعرَضُ صلاتُنا عليك وقد أرِمتَ- يعني: بلِيتَ -؟ فقال: «إن الله – عز وجل – حرَّم على الأرض أجساد الأنبياء»؛. 

    ويُستحبُّ في الدعاء الافتتاح بحمد الله وتمجيده والثناء عليه، ثم الصلاة على رسوله – صلى الله عليه وسلم -، وختمُه بهما؛ فعن فضالة بن عُبيد قال: سمِعَ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – رجلاً يدعو في صلاته، لم يُمجِّد الله، ولم يُصلِّ على النبي – صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «عجِلتَ أيها المُصلِّي»، وعلَّمهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ثم سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رجلاً يُصلِّي، فمجَّد الله وحمِدَه وصلَّى على النبي – صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «ادعُ تُجَب، وسَلْ تُعطَ»؛.

    والأذان من شعائر الإسلام ومعالمه الظاهرة، وعلاماته البارزة، فكان من تشريف الله لنبيه – صلى الله عليه وسلم – أن شُرِعت الصلاة عليه عقِبَه؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنه – أنه سمع النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: «إذا سمعتم المُؤذِّن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلُّوا عليَّ؛ فإنه من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا، ثم سلُّوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلةٌ في الجنة لا تبغي إلا لعبدٍ من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلَّتْ له الشفاعة»؛

    أي أن يردد مع المؤذن

    اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إنك لاتخلف الميعاد.

    ومن لوازم محبته – صلى الله عليه وسلم -: أن تتحرَّك الألسُن بالصلاة والسلام عليه كلما ذُكِر، وإن من الجفاء وقلة الوفاء، ومن التقصير وقلة التوقير: أن يُذكَر سيد البشر – صلى الله عليه وسلم – فتُحجِم الألسن عن الصلاة والسلام عليه؛ فعن الحسين بن عليٍّ – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «البخيلُ الذي ذُكِرتُ عنده فلم يُصَلِّ عليَّ”،وعند ابن حبان: «ما قَعَدَ قومٌ مقعدًا لا يذكرون الله فيه، ولا يُصلُّون على النبي إلا كان عليهم حسرةً يوم القيامة، وإن أُدخِلوا الجنة للثواب».

    ويُشرعُ الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – كتابةً، كلما كُتِب اسمه الشريف، ويُكرِّر ذلك كلما تكرَّر اسمه – صلى الله عليه وسلم -، ولا يُسأمُ من تكرير ذلك عند تكرُّره، وليجتنِبَ المسلمُ كتابة الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – منقوصة، رامزًا إليها بحرفٍ أو حرفين، كمن يكتب (ص)، أو (صل)، أو (صلعم)؛ لأن ذلك غيرُ لائقٍ بحقه – صلى الله عليه وسلم.

    ولا تعتبر أن تحريك الشفتين بالصلاة على النبي كافية للتعبير عن حبك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بل لا بد من إتباع القول بالعمل لتبرهن على حبك وتعلقك برسول الله صلى الله عليه وسلم، فماذا فعلنا لنعبر عن حبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لن يرضيه منا ولن يقبل منا قولنا وتحريك شفاهنا دون رجوعنا إلى سنته وتطبيق شريعته في الشادة والفادة من أمورنا، وفهم الدعوة الإسلامية حق الفهم وتنفيذ تعاليمها.

    لا يرضيه صلى الله عليه وسلم منا ألا أن نحكم القرآن الكريم في حياتنا، ونسير على النهج الذي رسمه لنا، أن نتعافى فنغسل قلوبنا من كل غل وحقد وحسد، وأن نكون إخوانا متحابين ننشر السلام والوئام بيننا، وأن نتعاون على محاربة الجهل والمرض والفقر في مجتمعنا، وأن نتناصر ضد البغي والظلم، وأن نحارب الغش والفساد والرشوة وكل أسباب الانحراف.

    لا يرضيه صلى الله عليه وسلم منا إلا أن نراجع تعاليم ديننا ونحاسب أنفسنا على القيام بها وأن نعمل على إحياء ما اندثر منها، وصقل ما علا الموجود منها من صدا البدع والانحرافات