التعليم العتيق
وابتداء من سنة1943 م أقدم العلامة المرحوم “عبد الله كنون” على تنظيم الدروس وإنشاء التعليم الأصيل بطنجة، إذ أضحت الدروس منظمة والمواضيع محددة، والتحاق الطلبة بهذه الدروس مشروطا بحفظ القرآن الكريم وبعض المتون، ولكن هذا لا يعني انتهاء الدروس الاختيارية التي كانت تلقى بالمسجد الأعظم وبغيره بل ظلت قائمة مستمرة إلى جانب الدروس المنظمة إذ أضحت حلقات العلم في هذه الفترة على نوعين :
• حلقات حرة تنظم بالمسجد الأعظم وبغيره من المساجد والزوايا في التفسير والحديث والفقه والعبادات، يحضرها من يشاء من الطلبة المنتظمين وغيرهم من عامة الناس ممن لهم رغبة في العلم والتعلم .
• دروس منتظمة يحضرها الطلبة الملتحقون رسميا بالتعليم الأصيل بعد اجتيازهم امتحان الدخول، وكان هؤلاء الطلبة يقيمون بمدرسة أمام المسجد العظم ويتلقون منحة تقدر بأربعين أو خمسين درهما،يتلقون دروسا في علوم شتى كالحديث والتفسير والفقه والتاريخ والحساب وفق برنامج معين يسهر على إعداده مدير المعهد آنذاك المرحوم “عبد الله كنون” بأمر من جلالة المغفور له محمد الخامس قدس الله روحه الذي كان يشرف شخصيا على التعليم الأصيل بالمغرب، ويعطي أوامره فيما يخص البرنامج والامتحانات والعطل ليقطع بذلك الطريق على الإدارة الاستعمارية خوف تدخلها في شؤون هذا القطاع الديني الذي يتصل بمقدسات الأمة المغربية. أما الأساتذة الذين يلقون الدروس والتي كانت تنظم على شكل حلقات فهم علماء أجلاء كالشيخ المرحوم “عبد الله كنون”،وأخوه المرحوم “عبد الحفيظ كنون”، والعلامة “محمد الحسن اللمتوني”، والعلامة “محمد اسكيرج”، والسيد “أحمد السميحي”، والسيد “محمد الساحلي الواسني”، والسيد “أحمد بوحساين” وغيرهم من العلماء الذين كانوا يتسمون بالسمت والوقار، أما الطلبة فقد كانوا على مستوى عال من المعرفة والاستعداد لتلقي العلم ودراسته، وكانت هذه الدروس تنتهي بامتحانات دورية وسنوية .
وبعد أن أرسى الشيخ ” سيدي عبد الله كنون” أمر التعليم الأصيل بهذه المدينة واطمأن على سير الدروس بالمسجد الأعظم، وبعد أن أقدمت الحماية الفرنسية بالمغرب على خلع ملك البلاد قدم استقالته وسلم إدارة المعهد إلى الشيخ العالم “أحمد بوحساين” المتوفى سنة 1966 ، الذي صار على منوال سابقه وحافظ على نفس الطريقة في الإلقاء والتلقي إلى أن سلم إدارة التعليم الأصيل إلى الشيخ المرحوم ” عبد الحي بن الصديق ” حوالي سنة 1954م الذي حاول أن يركز على المواد الدينية مع مزجها ببعض العلوم الأخرى دون أن يخرج عن الخط الذي رسمه سابقوه، فقد حدثني رحمه الله أن المواد التي كانت تدرس في عهده اقتصرت على النحو بالجرومية والألفية، والتفسير والحديث بالأربعين النووية، والفقه بابن عاشر و الأحكام من خلال الرسالة لأبي زيد القيرواني والتاريخ والجغرافية والمواريث .
أما الالتحاق بالمعهد فقد كان مشروطا بحفظ القرآن.. بغض النظر عن سن الطالب. ثم تولى إدارة المعهد منتصف الخمسينات الأستاذ “عابد الخرشافي” الذي تغيرت على عهده أمور في سير الدراسة حيث أدخل بعض وسائل الإيضاح كاستعمال السبورة الذي أحدث ضجة داخل المسجد إما لامتناع بعض الشيوخ استعمالها أو لاستنكار بعض المصلين وجودها.
وإلى جانب هذه المراكز العلمية وجدت في أحواز طنجة مدارس علمية عتيقة اجتهد رجالها في تعليم الأبناء ونشر العلوم الدينية، والتربية على الأخلاق الإسلامية الفاضلة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1 ـ مدرسة القراءات السبع بدار ازهيرو : وهي المدرسة التي أطلق عليها جلالة الملك الحسن الثاني تغمده الله برحمته : “مدرسة ولي العهد الأمير سيدي محمد للقراءات السبع”.
توجد بقرية دار ازهيرو بفحص طنجة التي تعتبر كغيرها من القرى والقبائل المحيطة بطنجة مركزا من المراكز التي ساهمت مساهمة فعالة في التعليم الإسلامي بالمغرب وبالخصوص حفظ القرآن الكريم برواية ورش. فقد عجت بمجموعة من القراء واشتهرت بعدد من شيوخ القراءات مما جعل بعض العلماء والأعيان يسعون إلى تأسيس مدرسة للقراءات السبع بها، وقد تم ذلك على يد جلالة المغفور له الحسن الثاني تغمده الله برحمته الذي أمر بتأسيس هذه المدرسة وأوفد وزيره في الأوقاف “الحاج أحمد بركاش” للإشراف على تدشينها سنة 1964م وحضر على جانبه عامل مدينة طنجة آنذاك “الشريف سيدي عبد السلام الوزاني” والعلامة المرحوم “سيدي عبد الله كنون” الذي ارتجل بالمناسبة كلمة عن تاريخ علم القراءات في المغرب وأشهر رجالاته .
2 ـ مدرسة سيدي محمد بن عجيبة بالقصر الصغير قيادة ملوسة فحص طنجة :
هي مدرسة العلامة سيدي “محمد بن عبد السلام بن العلامة المفسر سيدي أحمد بن عجيبة”،
3 ـ معهد الإمام ابن القطان حاليا مرشان / القرية طنجة
أسس عام 1312 هـ 1962 م و التحق به أجيال من طلبة القرآن حفظا و تصحيحا و درس العلوم الشرعية و مر به العديد من الطلبة من جميع أنحاء المملكة، يشرف عليه فضيلة العلامة سيدي عبد الله التليدي.
وإذا انتقلنا إلى أحواز طنجة فسنقف أيضا على عدد هائل من المراكز التي لعبت دورا كبيرا في التعليم والتثقيف، وفي بناء الشخصية العربية الإسلامية ذات الهوية العربية، ففي القبائل الأربع الكبار المنتشرة بأحواز طنجة: أنجرة ـ الفحص ـ وادراس ـ بني مصور يوجد أكثر من مائتي وأربعين مسجدا ساهم جلهم في التربية والتعليم، ففي قبيلة أنجرة نجد أزيد من مائة مسجد منتشرة في مداشرها ومراكزها الصغيرة والكبيرة اشتهر ثلاثون منها بالتربية والتعليم حتى أمها الطلبة من القرى والمداشر الأخرى طلبا للعلم ورغبة في الاستفادة من فقهاء تميزوا بعلمهم وعطائهم. وفي قبيلة بني مصور نجد أزيد من ست وخمسين مسجدا منتشرة في القرى والمداشر اشتهر تسع منها بعقد حلقات للعلم يؤمها الطلبة من شتى المناطق المجاورة. وفي قبيلة وادراس نجد أزيد من أربعين مسجدا اشتهر منها ثلاثة عشر بتعليم الدين واللغة والتف الطلبة فيها على علماء أجلا ء اشتهروا بسمتهم ووقارهم وعلمهم وجهادهم .
وهكذا ساهمت هذه القبائل الأربع مساهمة فعالة في التعليم والتثقيف ونشر المعرفة العربية والعلوم الشرعية بالرغم من الظروف الطبيعية الصعبة وقلة الإمكانات وكثرة التقلبات السياسية، فإلى جانب نضالها الوطني ومساهمة رجالها في الدفاع عن حوزة الوطن وطرد المستعمر عن أرجائه كان لأبنائها حضور فعال ومشاركة متميزة في التعليم والتدريس والتأليف، حتى أنك قل ما تجد أسرة إلا ولها مشاركة في ميدان من الميادين العلمية، ولا أدل على ذلك من العدد الضخم من حملة القرآن والعلوم المتعلقة به والعدد الكبير من المساجد المتواجدة في هذه القبائل وعدد المدارس والمراكز التي ظلت دراسة العلوم الشرعية بها قائمة في القرن الماضي، بل إن بعضها لازال مستمرا في نشر العلم الشرعي وتدريسه إلى يومنا ، ومن هذه المراكز:
• بني كرفط:
مسجد الصخرة وكان به الفقيه السيد الخضر
مسجد الهرا وكان به افقيه السيد العربي
• أهل سريف :
مسجد عين سمين وكان به الفقيه أحمد الحميدي
مسجد الصفصاف وكان به الفقيه الحراق
• بني يسف:
مسجد عين كلبة وكان به افقيه عبد الرحمن الشاعر
• بني عروس:
مسجد أمزلافن وكان به الفقيه الحسن بن ثابت الزجلي
مسجد أمردات وكان به افقيه المهدي
• بني يدر:
مسجد شتوكة بني يخلف وكان به الفقيه عبد السلام النادي
مسجد الصفصاف وكان به الفقيه الطيب الغنوي
• واد راس:
مسجد دار الغابة
• بني حزمار :
مسجد بوخالد وكان به الفقيه محسن البكاري
مسجد تاليوان ببني يحمد وكان به الفقيه الحاج علي بن طامة
مسجد بني وكته ببني منصور وكان به الحاج محمد بن المفضل
مسجد أغموقن ببني زيات وكان به الفقيه الحسين عموق
مسجد تندمت ببني بوزرة وكان به الفقيه العياشي أعراب
مدرسة القراءات السبع ببني رزين وكان بها الفقيه الكرمة
مسجد القوب بالأخماس العليا وكان به الفقيه أحمد بن عمر أكدي
• ناحية الريف :
مسجد تلا أوراق ببني سدات وكان به الفقيه ابن ناصر
مسجد أبي حيان ببني بوفراح( بوفراح)وكان به الفقيه عمر تشكيرت
مسجد سيدي بويعقوب بتمسمان وكان به الفقيه بوشعيب
مسجد تاليلت ببني وليشك وكان به الفقيه ابن قدور
مسجد بني عبد السلام ببني وليشك وكان به الفقيه محمد بنعمر
مسجد زايو بكبدانة وكان به الفقيه محمد الحساني
مسجد أمعشران ببني يحمد وكان به الفقيه محمد المرابط )
وقد جلس للتعليم بهذه المنطقة علماء أجلاء تخطت شهرتهم القبائل والمداشر لتصل إلى حواضر طنجة وتطوان وغيرها من المدن المغربية العريقة نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:
1. .العلامة سيدي أحمد بولعيش الشهير بمصباح الفقيه العالم الشهير بالتقوى والصلاح
2. .العلامة سيدي محمد السعيدي الأنجري، عالم جليل وفقيه نبيل اشتهر بحفظ النصوص وسرعة البديهة في الفتوى فكان مقصوداً لهذا الغرض من جهات شتى.
3. العلامة الأمين بوزيد الأنجري العالم الشهير بدقته وتفوقه في علوم كثيرة.
4. العلامة سيدي أحمد بوزيد الأنجري الفقيه الجليل الذي اشتهر بنبوغه منذ صغره وبتفوقه في علوم كثيرة في جل مراحل حياته.
5. .العلامة سيدي محمد الأنجري الفقيه البارز في العلوم الشرعية واللغوية وليد قرية أنجرة الشهيرة والمتعلم على أبنائها وخيرة فقهائها.
6. .الفقيه الحاج محمد بن الهاشمي البقاش من قرية الرمان بأنجرة فقيه القراءات المتبحر في علومها والمتميز في تدريسها وتعليمها.
7. الفقيه محمد بولبن ولد في قرية الزميج من قبيلة أنجرة عام 1340 ه
8. عبد المجيد ازميزم من مواليد عام سبعة وعشرين وثلاث مائة وألف للهجرة.
9. محمد بن محمد مرصو ولد سنة 1949 –
وسيطول بنا المقام لو أحصينا كل العلماء والفقهاء الذين حفلت بهم هذه المنطقة والذين جلسوا للتعليم والتربية والتثقيف.
وفي العقود الأخيرة من القرن الماضي ظهرت بمدينة طنجة مجموعة جديدة من مدارس التعليم العتيق تجمع بين المحافظة على العلوم العربية والإسلامية البحثة والانفتاح على العلوم العصرية من رياضيات ولغات ومعلوميات، أمها عدد كبير من أبناء هذه المنطقة ومن الوافدين من جهات مختلفة من الوطن، وتخرج منها ثلة من حفظة كتاب الله ومتقني علومه ومعارفه، وقفوا للخطابة وجلسوا للتدريس والوعظ والإرشاد بمساجد المدينة وغيرها.