ذ أحمد الشراط – رحمه الله ـ

العلامة المرحوم الأستاذ أحمد الشراط

العلامة المرحوم الأستاذ أحمد الشراط
نعم أيها الأخ العزيز بمحبة في العلم كبيرة وبسرعة عجيبة حفظت القرآن الكريم في مسقط رأسك بمدشر الرمان الأمر الذي رأى والدك المرحوم الفقيه سيدي علي الشراط أن الخير كل الخير أن تكون بجانبه وأن تلازمه في حفظ القرآن وعلومه وقواعده حذفا وثبتا وأنصاصا وتجويدا ، فأخذك معه إلى مدشر بني واسين جوار مدينة طنجة حيث يدرس القرآن الكريم ويستفيد من العلامة الفقيه سيدي محمد بن مبارك الوسيني من حيث طريقة التعليم وتوجيهاته حتى من حيث أوقات القراءة خصوصا وأن أبناء الفقيه سيدي محمد بن المبارك الوسيني يحفظون القرآن بدورهم عليه إذ كثير من الفقهاء المقرئين يبدؤون تدريسهم من قبل صلاة الصبح بنحو ساعة أو أكثر إلى قرب الزوال ومن صلاة الظهر إلى قرب صلاة المغرب ، والعلماء يرون أن القراءة تبدأ من صلاة الصبح إلى شروق الشمس ، ثم بعد محو الألواح وكتابتها وتناول طعام الفطور إلى نحو الحادية عشرة صباحا ثم من الظهر إلى العصر حتى يسهل الحفظ على الأطفال .

وتشاء الأقدار أن يلتحق والد الطفل بمدشر حسانة بأنجرة ليصحب والده إلى هناك لتعليم القرآن للأطفال وتشاء الصدف أن يوجد بمسجد حسانة العلامة سيدي محمد بن عجيبة يدرس العلوم المتنوعة للطلبة ليستغل الفقيه سيدي علي الشراط وجوده ليعلم ابنه أحمد القرآن بطريقة العلماء ويستفيد من معاني القرآن وقواعد القراء فجعل يجلسه حلقة درس تفسير معاني القرآن بين العشاءين وبعض الدروس التي كان العلماء يخصصونها للطلاب الصغار ، ثم رجع الطالب أحمد الشراط إلى مسقط رأسه بقرية الرمان ليأخذ على الفقيه العلامة سيدي محمد بن أحمد الرغيوي الذي كان قد بدأ يدرس العلوم أيضا للطلبة حيث يفتتح درس الصباح بألفية ابن مالك شرح المكودي ،ثم متن العصمية بشرح التسولي ، ثم الأصول ثم المنطق ثم البلاغة ، وبين العشاءين تارة المرشد المعين وتارة تفسير القرآن الكريم ، وتارة السيرة النبوية ، وصباح يوم الخميس التاريخ ثم الجغرافية ، وكانت دراسة الفقيه محمد الرغيوي ذات منهجية ممتازة وطريقة جيدة استفدنا منها استفادة رائعة ، وكل من تعلم منه وأخذ عنه .

ثم انتقل الطالب السيد أحمد الشراط إلى مدينة تطوان لمتابعة دراسته النظامية بها وأوصاه الفقيه الرغيوي أن يلازم بعض العلماء وخصوصا صديقه في فاس بجامع القرويين العلامة المشارك الفقيه سيدي محمد بن عبد الرحمن البقاش الذي يرجع أصله إلى قبيلة بني سعيد ولقد عمل بوصيته ولازم الفقيه البقاش ملازمة الظل للشجرة حتى إنه كان لا يفارقه في مدينة تطوان في المساجد والزوايا ويستغل العطل السنوية فينتقل معه إلى مدشره بقبيلة بني سعيد حيث درس عليه ألفية ابن مالك بمجمل شروحها ، وتحفة الإمام الغرناطي على فقه المعاملات بشروحها وحواشيها ، وعلم الميراث بمتن الشيخ خليل،وعلم المنطق، وعلم الأصول ، وعلوم البلاغة والتوقيت ، ومتن رسالة ابن أبي زيد القيرواني ، ومتن ابن عاشر ، وغيرها إلى أن نجح في الباكلوريا بتفوق بالمعهد الأصيل بتطوان ، وبما أنه كان شغوفا بالفقه الإسلامي والتفسير والحديث انتقل إلى كلية الشريعة بفاس التابعة لجامع القرويين عمرها الله ، حيث لازم دروس علمائها الأفذاذ مثل العلامة المرحوم الأستاذ علال الفاسي ، والعلامة الأستاذ سيدي الجواد الصقلي ، والعلامة سيدي العابد الفاسي وغيرهم حتى تحقق فوزه ونجاحه في كلية الشريعة بامتياز ، فعينته وزارة التعليم أستاذا في الثانوي بمدينة المحمدية ، وفي الوقت نفسه عين خطيبا للجمعة بمسجدها الأعظم وواعظا في مساجدها وفي سنة 1983 انتقل إلى مدينة طنجة كأستاذ بثانوية سيدي محمد بن عبد الكريم الخطابي رحمه الله وفي الوقت نفسه اختاره سكان الحي الجديد الذي يسكن فيه خطيبا للجمعة بمسجدهم وواعظا بها للسكان ، ثم اختاره العلامة سيدي عبد الله كنون واعظا في مسجد طارق بن زياد وكان من أنشط الوعاظ إلى درجة أن بعض السكان كانوا يستدعونه لمنازلهم لإرشادهم وتوجيههم حتى إن سمعته فاقت كل أحياء طنجة ،ولما عين الأستاذ الدكتور إبراهيم بن الصديق رئيسا للمجلس العلمي المحلي بعمالة طنجة أصيلة اختاره عضوا في المجلس العلمي بطنجة ، وكان زيادة على الإرشاد والوعظ والتوجيه يقوم بالإفتاء الشرعي نيابة عن أعظاء المجلس العلمي ، ثم لم تمر بعض السنوات حتى عين خطيبا للجمعة بالمسجد الأعظم بطنجة خلفا لشيخنا وأستاذنا العلامة المؤلف سيدي عبد الحفيظ كنون الحسني رحمه الله وعضوا أيضا بالمجلس العلمي بطنجة أصيلة .

ولقد حضر عدة دروس من الدروس الحسنية التي كان يترأسها أمير المومنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده ، وألقى بين يدي جلالته عدة خطب للجمعة كإمام ، وكان مكلفا أيضا بامتحانات الوعاظ وخطباء الجمعة وأئمة المساجد للصلوات الخمس والزوايا والمصليات وحفاظ القرآن الكريم ، وامتحان طلبة المدارس العتيقة ، كما كان المرحوم من المؤسسين لمعهد بن عطية الديني بجانب هذا المجلس الموقر حيث أسندت له دروس في علم الميراث ، وأصول الفقه وعلم الحديث ، وقواعد اللغة العربية ، والسيرة النبوية .

وهكذا فإن الأستاذ أحمد الشراط كان من أنشط أعضاء المجلس العلمي ومن الذين أحيوا المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية في مدينة طنجة ، وكل العلوم التي كانت تدرس في مساجدها ونواحيها وبثها في قلوب السكان والشباب والرجال والنساء ، وبذلك اكتسب رحمه الله محبة كافة الأعضاء ورؤساء المجلس وكافة العلماء ، ورغم ما كان يعانيه من ألم فإنه كان يؤدي رسالته المنوطة به والتي هي رسالة العلماء في أحسن ما يرام هذه الرسالة التي ستبوئه مقعد صدق مع النبيين والصدقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا مع والديه في جوار سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم داعيا الله له بالرحمة والغفران ويجازيه على ماقدم وعلى ما عمل وعلم وأن يصلح أبناءه وذريته وذويه وإنا لله وإنا إليه راجعون.

بقلم صديقه ورفيقه الأستاذ عبد السلام البقاش