لقد عرف العالم عبر تاريخه الطويل تحولات هامة, وتغيرات مختلفة، وحدثت فيه وقائع واعترته مستجدات كثيرة اقتضت إعادة النظر في التوجهات العامة الاقتصادية منها والسياسية والاجتماعية والفكرية, وبحكم تجدر الشأن الديني في حياة الأمة المغربية, واستمرار رسالة الإسلام مع الأجيال في تغيراتها وتقلباتها، منسجمة معها تمنحها الحلول المناسبة والتوجيهات اللازمة المستنبطة من الكتاب والسنة, فقد اقتضى الأمر أن يعاذ النظر باستمرار في هذا الشأن برؤية جديدة مستمدة من روح العصر، ومسايرة للتطورات التي طرأت على المجتمع الإنساني على مختلف الأصعدة، وفي الحديث الشريف: ” إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد للناس أمر دينهم” ولسنا في حاجة إلى التنبيه على أن هناك نواح ومجالات لايمكن أن يدركها التجديد، كأمور العقيدة والعبادات، التي حددها الوحي وفصلها فلا تتجديد فيها ولا تغيير, وإنما الاجتهاد وإعادة النظر في قراءة النصوص واستنباط الأحكام المتعلقة بالمعاملات والعلاقات بين الناس وما يستجد في حياتهم من مظاهر وظواهر .ولهذا وذاك حرص ملوك مختلف الدول التي تعاقبت على العناية بشؤون الإسلام وإجراء العمل لأحكامه للذوذ عن عقائده ونشر تعاليمه الصحيحة للناس ليكونوا على بينة وبصيرة من أوامره ونواهيه, وعلى مر العصور وتعاقب الأجيال اجتهد العلماء في تفسير النصوص وانصرفوا إلى استنباط أحكام الشريعة في بعض الظواهر والقضايا التي جاءت بها تعاقب الأيام والليالي وتطور الأمم والشعوب.
وفي سنة 1981 قرر صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه إحداث المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية الإقليمية من أجل الحفاظ على المقومات الإسلامية وترسيخها في نفوس الأمة، وتطهيرها من كل ماشاب صفوفها من زيغ وبدعة, كما جاء في الظهير الشريف المؤسس لهذه المجالس: ” وقد رأينا بعد أن أصبحنا نشاهد ما ينذر به شيوع بعض المذاهب الأجنبية من خطر على كيان الأمة المغربية وقيمها الأصيلة أن يستمر عملنا المتواصل في إطار مؤسسات تنتظم فيها وتتناسق جهود العلماء للعمل برعاية جلالتنا الشريفة بالإسلام ولإقامة البرهان على أن ما جاء به صالح لكل زمان ومكان وفي أمور الدين والدنيا معا, وإن فيه غنى عن ما عداه من المذاهب والعقائد التي لاتمت بصلة إلى القيم التي يقوم عليها كيان الأمة المغربية”. وهكذا ثم إحداث المجلس العلمي الأعلبى وستة عشر مجلسا موزعة على تراب المملكة.
وسيرا على سنة أسلافه الميامين ومواصلة لنهج والده المقدس بادر صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمجرد اعتلاءه عرش أسلافه المنعمين بتجديد هذه المجالس وتوسيعها حيث رفع عددها إلى تسعة عشر مجلسا, وخاطبها أثناء تنصيبه لها بتطوان في منتصف شهر رمضان1421 موافق 15 دجنبر 2000بقوله: ” إننا نريد من مجالسنا العلمية أن تكون مجالا رحبا يبيح للعلماء أن يؤدوا رسالتهم الدينية والوطنية بدءا بتأطير المواطنين والمواطنات أينما كانوا لتحصين عقيدتهم وحماية فكرهم وإنارة عقولهم ملتزمين بدينهم ومقدساتهم غير مهددين بتيارات التشويه والتحريف” ,وعلى هذا النهج الراقي الذي تجلت فيه جميع المقومات الحضارية والدينية الأصيلة, مضت هذه المجالس في عملها تستند على أصول هذا الدين ومصادره التشريعية وتستنير بتوجيهات أمير المومنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله.
وفي سنة 1425هجربة2004 ميلادية اقتضى النظر الشريف تأهيل الحقل الديني وتجديده, تحصينا للمغرب من نوازع التطرف والإرهاب, وحفاظا على هويته المتميزة بالوسطية والاعتدال والتسامح, عبر آليات منهجية جديدة تجعل من المجالس العلمية مؤسسات متنورة تجمع بين فقه الدين والانفتاح على قضايا العصر, وتقترب أكثر من هموم المواطنين وتساؤلاتهم وتطلعاتهم, خاصة الشباب منهم، وتصون المجال الديني من الظواهر السلبية التي تسيء إلى مكانة الإسلام وقيمه النبيلة. ومن أجل هذا الغرض أمر جلالته بإحداث مديريات جديدة بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية, ومندوبيات جهوية وإقليمية, كما وسع من اختصاصات المجالس العلمية, ورفع عددها إلى ثلاثين مجلسا, وجعل لها فروعا في العمالات والأقاليم القريبة منها, وحرص على إشراك المرأة المتفقهة في هذه المجالس لتشارك الرجل في الوعظ والإرشاد والتوجيه.
وفي العاشر من ربيع الأول 1425 ترأس جلالته حفل تنصيب أعضاء المجلس العلمي الأعلى ورؤساء وأعضاء المجالس العلمية المحلية بمدينة الدار البيضاء وخاطبهم بقوله: ” إننا قد وضعنا طابعنا الشريف على ظهائر تعيين أعضاء المجالس العلمية في تركبتها الجديدة …. لتقوم من خلال انتشارها عبر التراب الوطني بتدبير الشأن عن قرب, وذلك بتشكيلها من علماء مشهود لهم بالإخلاص لثوابت الأمة ومقدساتها والجمع بين فقه الدين والانفتاح على قضايا العصر , حاثين إياهم على الإصغاء إلى المواطنين, ولا سيما الشباب منهم بما يحمي عقيدتهم وعقولهم من الضالين المضلين, حريصين على إشراك المرأة المتفقهة في هذه المجالس, إنصافا لها ومساواة مع أخيها الرجل..”
وهكذا توسعت دائرة المجالس العلمية وتعددت مهامها ومسؤولياتها وأضحت مطالبة بالإشراف على مجموعة من المجالات منها:
– تأطير المواطنين والمواطنات وتعليمهم أمور دينهم, والإجابة عن تساؤلاتهم وتطلعاتهم, خاصة الشباب منهم, وصيانة المجال الديني من الظواهر السلبية التي تسيء إلى مكانة الإسلام وقيمه النبيلة.
– صيانة الثوابت الدينية: العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف السني.
– توسيع نطاق الوعظ والإرشاد والدروس والمحاضرات والندوات العلمية.
– العناية بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والمساهمة في محو الأمية.
– تنظيم دورات تكوينية للوعاظ والخطباء والأئمة وسائر القيمين الدينيين.والانفتاح على العلماء والتواصل مع الجمعيات والهيئات والفعاليات الاجتماعية والاقتصادية.
ولما أصبح العالم على مشارف العقد الثاني من الألفية الثالثة, وأضحى المغاربة يعيشون على شرفات جديدة وتطلعات حديثة, وفي مواجهة تحديات كثيرة تدعوا إلى إعادة النظر في تكوين هيئة العلماء، وإيجاد فرص تيسر للناس مواجهة هذا الواقع الذي أصبحوا يعيشونه, وإنتاج خطاب مناسب مرتبط بالبيئة ومساير لروح العصر, ومؤهل لخدمة الإسلام والنهوض بمهمة نشر المعرفة الشرعية التي تفرز كل المواقف الإسلامية المرجوة. فقد اقتضى النظر الشريف تجديد المجالس العلمية وتوسعتها لتشمل كل العمالات والأقاليم, ولتمنح الأمة المغربية مجموعة بشرية تتحقق من علوم الشريعة وتحملها استيعابا وفهما وسلوكا وحضارة, فتملأ كل الفراغات والفجوات التي يمكن أن يتسلل منها كل تشدد أو انحلال أو خروج عن ثوابت الأمة ومقدساتها, وكل مظهر من مظاهر الشذوذ الفكري والثقافي الذي قد يودي بالأمة إلى إهدار قيمها النبيلة وإدخالها في مواجهات مذهبية حسم فيها المغرب موقفه فيها قديما حينما حدد اختياراته العقدية والمذهبية, وتصوره العام لطبيعة الإسلام.
وهكذا أمر أمير المومنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بتوسعة هذه المجالس وانخراط العلماء في المسار الإصلاحي التحديثي الذي يقوده جلالته في شتى المجالات، فقال في خطابه في افتتاح الدورة السابعة للمجلس العلمي الأعلى بتطوان , ( … كما تولينا تجديد وإعادة تنظيم المجلس العلمي الأعلى, والمجالس العلمية المحلية, وفق منظور طموح يكفل الارتقاء بالخطاب الديني إلى ما نتوخاه بحيث يستوعب واقع الحياة المعاصرة ويحصن شبابنا من فقدان المرجعيات واستغلال الدخلاء المتطرفين … وسيرا على نهجنا في اعتماد اللامركزية وعدم التمركز قررنا إعادة النظر في خريطة المجالس العلمية المحلية, وهكذا سيتم تعميمها ليكون لكل إقليم أو عمالة مجلسها العلمي ليتحقق ما نلح عليه من ضرورة مراعاة خصوصيات وتقاليد أهل كل منطقة والتجاوب مع تساؤلاتهم الدينية).
وبعد الانتهاء من مرحلة تعيين وتنصيب رؤساء وأعضاء المجالس العلمية بكافة العمالات انعقدت الدورة الثامنة للمجلس العلمي الأعلى بالرباط يوم 3 جمادى الأولى 1430 ووجه جلالته رسالة إلى السادة العلماء يأمرهم فيها بالانطلاق في تنفيذ خطة ميثاق العلماء الذي يهدف إلى تأهيل أئمة المساجد وإرشادهم إلى قواعد جامعة وموحدة, تتحقق بها الطمأنينة الروحية, ووحدة الأمة, مع الارتقاء بالمستوى العلمي للأئمة حتى يتمكنوا من القيام بواجبهم على أحسن وجه وتوعية عامة الناس وتوجيههم إلى الطريق الحق.
ومما جاء في رسالته نصره الله: ( وإذا كنا قد أعلنا عن حرصنا الدائم والمستمر في أكثر من مناسبة على تعزيز الأمن الروحي بمملكتنا بتحصين عقيدتها, وصيانة وحدتها المذهبية, والدود عن ثوابتها وقيمها, فإننا ما زلنا نؤكد ضرورة إدماج الخطاب الديني في صلب المشروع المجتمعي الذي نعمل جادين على إنجازه لتحقيق التنمية البشرية المنشودة ورفع تحديات واستشراف المستقبل في ثقة وعزم واطمئنان).
وكغيره من مجالس المملكة عرف المجلس العلمي بطنجة عبر هذه العقود تغيرات وتوالى على تسييره علماء أجلاء, فكان أول مجلس تحت رئاسة علامة المغرب وعلمه الأستاذ عبد الله كنون ويضم السادة العلماء: عبد الحفيظ كنون ـ محمد الساحلي الوسيني ـ محمد الترغي ـ محمد الشنتوف ـ عبد العلي العبودي ـ الحسن بن الصديق ـ عبد الرحمان زولو. وبعد وفاة الأستاذ العلامة سيدي عبد الله كنون سنة 1989 خلفه على رئاسة المجلس الأستاذ العلامة سيدي محمد الشنتوف والتحق بالعضوية العلامة سيدي محمد بنعجيبة. وفي سنة 1996 اقتضى النظر الشريف تغيير تشكيلة المجلس العلمي بطنجة حيث عين الدكتور ابراهيم بن الصديق رئيسا والسادة العلماء: الحسن بن الصديق ـ عبد العلي العبودي ـ عبد الرحمن زولو ـ عبد الله اشبابو ـ عبد المجيد أخريف ـ أحمد الشراط ـ مولاي علي الأزامي أعضاء .
وفي15 يناير 2000 وبموجب تغيير عام لكافة المجالس العلمية بالمملكة أصبح المجلس العلمي بطنجة يتكون من : الدكتور ابراهيم بن الصديق رئيسا, والسادة: محمد كنون الحسني ـ محمد الفقير التمسماني ـ عبد الخالق أحمدون ـ أحمد الحضري ـ عبد العزيز العيادي ـ المختار بنعيسى ـ رشيد الموساوي أعضاء . وفي سنة 2004 وبعد وفاة العلامة الدكتور إبراهيم بن الصديق وتجديد المجالس العلمية بالمغرب عين العلامة الحسن بن الصديق رئيسا والتحقت بالمجلس الدكتورة وداد العيدوني مكان الأستاذ رشيد الموساوي وأحتفظ باقي العلماء بعضويتهم. وفي فبراير 2006 تم تعيين العلامة المرحوم عبد اللطيف الوزاني رئيسا جديدا للمجلس دون أن يطال التغير السادة الأعضاء.
و في سنة 2004 وبموجب التغييرات التي أمر بها صاحب الجلالة أصبحت مدينة طنجة تتوفر على مجلسين: مجلس عمالة طنجة أصيلة ويتكون من السادة العلماء: محمد كنون الحسني رئيسا, ومحمد الفقير التمسماني ـ عبد الخالق أحمدون ـ أحمد الحضري ـ عبد اللطيف حادوش ـ عبد السلام البقاش ـ أحمد الشراط ـ وداد العيدوني أعضاء . ومجلس عمالة إقليم الفحص أنجرة ويتكون من السادة العلماء: عبد السلام فيغو رئيسا, ونافع اغزيل ـ عبد الواسع الشامي ـ مصطفى البقالي ـ أحمد التوزاني ـ أحمد الوجدي ـ عبد الله حمزة ـ أسماء اليزيد أعضاء .
الرئيس
الأعضاء