العمل الاجتماعي النسوي

الدكتورة وداد العيدوني
العمل الاجتماعي النسوي بين الضوابط الشرعية و متطلبات التنمية المستدامة

مدخل :

إذا كان الإنسان في أدبيات التنمية المجتمعية بمفهومها الحديث يشكل الغاية والوسيلة في إحداث أي تغيير جدي مقصود على كافة المستويات , فإن تنمية روح المبادرة والمشاركة وتعزيز ثقافة التطوع و الخير لديه تشكل في الوقت ذاته عوامل نموٍّ فرديٍّ واجتماعيٍّ ومؤسساتي, خصوصا أن ميادين التطوع تستوعب وتستقطب كل أبناء المجتمع بغض النظر عن العمر والمكانة الاجتماعية ، والدور والمستوى العلمي أو الفكري , وإن هذه الميادين ذاتها تتيح نموَّ الأفراد وتكسبهم مهارات التكيف الشخصي والاجتماعي بما يترتب على ذلك من آثار إيجابية تنعكس على مكونات المحيط البشرية والمادية وتمسُّ بفعالية جوهر التنمية البشرية.

من هنا يمكن اعتبار انخراط المرأة في العمل الاجتماعي تدعيما لقدرتها الاقتصادية ومؤشراً واضحاً على الوعي بدورها في بناء المجتمع وقدرتها على المشاركة الحقيقية في التنمية خاصة إذا ما أدركنا أن دورها في هذه المؤسسات في تطور مستمر نظراً لما وصلت إليه المرأة من قدرة على الأداء .

2 – التأصيل الشرعي :

لا يستطيع أحد أن يجادل في أهمية دور المرأة المسلمة في العمل الاجتماعي عبر التاريخ فقد ساهمت بدورها في إنماء المجتمع ، بالتطوع في مجموعة من الأعمال الخيرية الاجتماعية ، إذ كان لها دور فاعل وملموس في دفع عجلة التطور الاجتماعي امتثالا لقوله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ، منذ الطبقة الأولى من بناة المجتمع الإسلامي في صدر النبوة فنجد مثلا أن :

– خديجة بنت خويلد أم المومنين رضي الله عنها ، بذلت جهدها ومالها في مؤازرة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال عنها: ( وواستني في مالها إذ حرمني الناس ) .

– وأم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها ، قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يداً ) ، والمقصود بطول اليد : كثرة مدها بالعطاء للفقراء ، فقد كانت رضي الله عنها تعمل بيدها وتتصدق على الفقراء ، وتقول عنها عائشة رضي الله عنها : ( ولم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب بنت جحش ، وأتقى لله وأصدق حديثاً وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تتصدق به، وتتقرب به لله تعالى ) .

– و أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ذات النطاقين ، روت : ( صنعت سفرة للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حين أراد المدينة، فقلت لأبي: ما أجد شيئاً أربطه إلا نطاقي قال : فشقيه، ففعلت فسميت ذات النطاقين ) .

– والشفاء بنت عبد الله كانت تقوم بتعليم نساء النبي صلى الله عليه وسلم – خاصة حفصة رضي الله عنها – القراءة والكتابة .

ـ وأم عطية نسيبة الأنصاري، الصحابية الجليلة ضربت أروع الأمثلة على العمل الخيري حتى في أوقات الشدة والعسر فضلاً عن أوقات الرخاء واليسر ، وشاركت في سبع غزوات مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، بإعداد الطعام للمقاتلين ، وتضميد الجرحى ، ومساعدة المرضى . قالت رضي الله عنها : ( غزوت مع رسول الله  سبع غزوات أخلفهم في رجالهم ، فأصنع لهم الطعام ، وأداوي الجرحى ، وأقوم على المرضى ).

ـ وأم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية : التي تخرج مع المسلمين في غزواتهم لتزويدهم بالمياه ، وتضميد الجرحى، بل إنها قاتلت مع النبي في غزوة أحد للدفاع عن رسول الله كما هو مذكور في كتب التاريخ .

– و أم سليم بنت ملحان رضي الله عنها : عرفت بحبها للخير وخدمة المسلمين، فقد كانت يوم أحد هي وعائشة رضي الله عنهما تنقلان القرب على متنيهما ثم تفرغانه في أفواه الصحابة، ثم ترجعان فتملآنها . قال عنها أنس رضي الله عنه : (كان رسول الله  يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار إذا غزا يداوين الجرحى ) .

ولما كان مفهوم العمل الاجتماعي في المنظور الإسلامي يتأسس بالدرجة الأولى على تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية في الحفاظ على الضروريات الخمس كما هو مقرر عند علماء الأصول ، فإن هذا المفهوم الشرعي لمجالات اشتغال التدخلات الاجتماعية الخيرية ، يمكن تنزيله في العصر الحاضر وفق ما يلي :

أولا : برامج للإسهام في حفظ الدين مثل : برامج إرشادية دينية تعليمية ، السلوك والأخلاق والمعاملات…

ثانيا: برامج للإسهام في حفظ النفس مثل : برامج رعاية الأسرة – برامج للتوعية الصحية – خدمات الإغاثة و الطوارئ – برامج الضمان الاجتماعي – برامج لرعاية المسنين – برامج لرعاية المعاقين …

ثالثا:برامج للإسهام في حفظ العقل مثل : برامج محو الأمية – برامج التوعية بأضرار المخدرات ، …

رابعا : برامج للمساهمة في حفظ النسل مثل : برامج توعية المقبلين و المقبلات على الزواج – برامج صحية للتوعية بأخطار الأمراض ذات الصلة …

خامسا: برامج للمساهمة في حفظ المال مثل : برامج التأهيل المهني ، دورات التدريب على التخصصات المطلوبة في سوق الشغل – التدريب على إقامة المشروعات الصغرى ومشروعات زيادة الدخل ، وتمويلها …

3- محورية المرأة في العمل الاجتماعي :

ومما لاشك فيه أن هناك علاقة جدلية بين تنمية المرأة ومدى اندماجها في المجتمع والعمل الإحساني ، فالتنمية في أصل تشكلها متأسسة على الكائن البشري الذي يعتبر لحمتها وسداها ، إذ هو المقصود ببرامجها الموجهة إلى الارتقاء به في جميع الميادين الدينية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية .

ثم إن التنمية من جهة أخرى تنبني على الجهد البشري ، مما يعني ضرورة وجود العنصر البشري المؤمن بقضية التنمية المجتمعية ، الواعي بأهدافها وتطلعاتها ، القادر على المشاركة في عملياتها ، والانخراط في مشاريعها ومخططاتها .

بهذا الاعتبار نستطيع أن نقول إن طبيعة العمل الاجتماعي تجعله مرتبطا ارتباطا جوهريا ، ومبدئيا ، وفلسفيا بالمرأة ، سواء من حيث كونها موضوعا للتدخلات الاجتماعية ، وفئة مستهدفة بعملياتها ، خصوصا في ظل ما تشهده مجتمعاتنا من تخلف وجهل ، وأمية ، وفقر ، متفشية في الأوساط النسوية بدرجة أكبر من غيرها ، أو باعتبارها جزءا من هذه التدخلات ، وعنصرا فاعلا قويا فيها باعتبارها كائنا بشريا يمتلك مقومات وجدانية رفيعة وقوية ، مما يؤهلها للتعاطف والإيمان بعمق بالقضايا الاجتماعية بجميع أشكالها وتجلياتها .

4- مجالات التدخل الاجتماعي :

وإدراكا منها بارتباط العمل الاجتماعي في المنظور الإسلامي بالإيمان بالله تعالى , ووعيا منها بأن هذا الارتباط هو الذي يوفر له القوة المعنوية والروحية اللازمة لدفع الفرد للقيام به طائعاً مختاراً , ويقينا منها بأن منظومة العمل الاجتماعي في المنظور الإسلامي تفضي إلى تكريس قيمة اجتماعية كبرى هي قيمة التضامن , أو التكافل الاجتماعي من ناحية, كما أنها تنتمي إلى قيمة روحية أعلى وهي قيمة التقوى والعمل الصالح من ناحية أخرى ، انخرطت المرأة المغربية في أشكال متعدد من مجالات العمل الاجتماعي مثل :

أولا : الإرشاد الديني ويهتم بالتوعية الدينية الشاملة

ثانيا : التكافل الاجتماعي : ويتمثل في :

– مساعدة الفقراء وذوي الدخل المحدود.

– تأهيل وتدريب وتشغيل الفقراء القادرين على العمل .

– رعاية الفئات المهمشة من النساء من أرامل ومطلقات والجانحات وحماية السناء المساء إليهن.

– رعاية الأطفال الأيتام, وأطفال الأسر المفككة, وأطفال الشوارع, وعمالة الأطفال والأطفال مجهولي النسب والأطفال المساء إليهم.

– الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة من النساء و الرجال و الأطفال .

– رعاية المسنين من الجنسين .

ثالثا : الإرشاد الاجتماعي و المتمثل في عقد دورات تأهيلية للمقبلات و المقبلين على الزواج وتيسير سبل زواجهم ، وتقديم النصح الاجتماعي لحل المشكلات الاجتماعية مثل الطلاق والجرائم وغيرها .

رابعا : الرعاية الصحية والمتمثلة في تأمين علاج الفقراء عامة والأطفال وكبار السن من رجال ونساء خاصة.

خامسا: محو الأمية و التعليم للكبار ومساعدة الطلاب الفقراء في تحصيلهم الدراسي خاصة.

سادسا :الحفاظ على البيئة من التلوث ، وتطوير البيئة التحتية في المجتمعات الفقيرة …

وهي مجالات للعمل تعززت بولوج المرأة إلى عدد من القطاعات الوظيفية والتربوية التأطيرية في المجتمع المغربي ، من بينها المجالس العلمية التي أدمجت المرأة ضمن أطرها الفاعلة المؤطرة ، وحملت على عاتقها مسؤولية تنميتها وتوعيتها ، لا على المستوى الديني والفقهي والاعتقادي فحسب ، بل أيضا على المستوى الاجتماعي ، حسبما نص عليه البرنامج السنوي الصادر عن المجلس العلمي الأعلى في بابه الحادي عشر .

5- مقومات وضوابط للعمل الاجتماعي :

ولما كان العمل الاجتماعي مظهرا من مظاهر التعبد لله تعالى بالسعي في مصالح عبيده وعياله من الخلق كما في الحديث القدسي ، فإنه من البديهي أن تكون لهذا المظهر التعبدي الكبير ضوابط وموجهات تحكم مساره ، وترفع من درجة الحافزية فيه ، أهمها :

– ربط العمل الاجتماعي بعملية التنمية المستدامة ، حتى يخرج عن دائرة العمل الإحساني التعاطفي الآني ، إلى دائرة العمل التنموي، في إطار مشروع مجتمعي متكامل منتظم ، وبعيد الأهداف .

– وضوح الأهداف: فالعمل الاجتماعي –بصفة عامة- لم يعد تلقائيا تحدوه النوايا الحسنة فحسب . بل هو عمل علمي لا بد أن تكون له مجموعة من الإستراتيجيات المحددة سلفا ، التي يسعى إلى تحقيقها . وهذه الأهداف العامة لا بد أن تكون محددة وواضحة السمات , وقابلة للتنزيل على أرض الواقع .

– ترجمة الأهداف إلى برامج ومشروعات مخططة تهدف إلى تنمية المجتمع ، في إطار مخطط مدروس ، وغلاف زمني مسطر ، حتى لا تضيع الأهداف ، والآمال بالتقادم والتسويف .

– ربط العمل الاجتماعي بالبحث العلمي الجامعي ، وذلك من خلال تخصيص وقف للبحث العلمي في الجامعات يتخصص في مجال تطوير آليات واستراتيجيات العمل الاجتماعي ، على شكل منح للباحثين ، وفرق ومختبرات للبحث في هذا الموضوع .

– إخلاص النية لله تعالى بابتغاء وجهه تعالى والأجر والثواب ،والتجرد عن كل الأهداف والمنافع الدنيوية .

– الصلاح و التقوى ، وهما الضابط الأساس في عملية الرقابة الذاتية ، التي تفضي إلى حسن التدبير ، والصدق في أداء المهام المنوطة بالمسلم ..

– التحلي بروح المسؤولية ، وهي أساس المردودية في العمل ، وروح المبادرة .

– المهارات التدبيرية ، القائمة على كيفية توزيع واستغلال الموارد البشرية والمالية المتوفرة في الحال .

– الحس المنهجي التنظيمي والقدرة على التخطيط ، واستشراف آفاق المستقبل .

– الكارزمية ، والقدرة على التأثير على المخاطب ، وإقناعه بجدوى العمل .

– سعة شبكة العلاقات ، وتوازنها ، على جميع المستويات الجماهيرية الشعبية ، والفكرية الثقافية ، والاقتصادية المالية ، والإدارية الرسمية ، لأهمية كل منها في دعم ، أو تيسير عمليات التدخل الخيرية .

– القدرة على التواصل ، وعلى الشراكة والحوار مع مختلف الأطراف ذات الصلة .