ما هي حقيقة زكاة الفطر

الدكتور محمد التمسماني
زكاة الفطر : الأحكام والحكم
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما يعزم رمضان على الرحيل تكثر أسئلة الناس عن زكاة الفطر :ما هي حقيقتها ؟ و ما هو حكمها ؟ وما الحكمة منها ؟ و على من تجب ؟ وما هو مقدارها ؟ ومتى تجب ؟ و لمن تدفع ؟ و هل يجوز إرسالها إلى بلد آخر ؟
ما حقيقتها ؟
زكاة الفطر شعيرة متعلقة بشهر رمضان ، ولذا شرعت في نفس السنة التي فرض فيها صيام رمضان وهي السنة الثانية من الهجرة ، تسمى زكاة الفطر لوجوبها بسبب الفطر من رمضان .و زكاة الفطرة كأنها من الفطرة التي هي الخلقة . فوجوبها عليها تزكية للنفس و تنقية لعملها ، و زكاة الرؤوس أو الرقاب أو الأبدان : لأنها واجبة على الأشخاص لا على الأموال ، فلا يشترط لها ما يشترط للزكوات الأخرى من ملك النصاب و نحوه .
ما حكمها ؟ وما الحكمة منها ؟
حكم زكاة الفطر : الوجوب ، بدليل : عموم القرآن و السنة و الإجماع .
1-عموم القرآن : ( و آتوا الزكاة ) ، وروي أن سيدنا عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى كان يأمر الناس بإخراج صدقة الفطر و يتلو هذه الآية: (قد أفلح من تزكى و ذكر اسم ربه فصلى).
2- نص الحديث : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد و الحر والذكر و الأنثى والصغير والكبير من المسلمين ”
3- الإجماع ، ولقد حكم العلماء على المخالف في الوجوب بالشذوذ
أماحكمتها : فقد أخرج أبو داود و ابن ماجه في سننيهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : ”فرض رسول الله صلى الله عليه و سلم : زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو و الرفث و طعمة للمساكين “
فبين الحديث أن الحكمة من مشروعيتها ، والفائدة من إخراجها هي :
1-تطهير الصائم وتزكيته من اللغو وهو : ما لا فائدة فيه من قول أو فعل ، و من الرفث : فاحش الكلام ، أي أنها تجبر ما فيه من قصور أخرج ابن شاهين في ” فضائل رمضان” عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :  صوم شهر رمضان معلق بين السماء والأرض ، و لا يرفع إلا بزكاة الفطر  . قال ابن شاهين : حديث غريب جيد الإسناد . وقال وكيع بن الجراح رحمه الله تعالى : ” زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدة السهو للصلاة ، تجبر نقصان الصوم كما يجبر السجود نقصان الصلاة ” .
2- إطعام المساكين و الرفق بهم ، ففي زكاة الفطر مشاركة وجدانية لإحسان عام يوم العيد ، لما فيه من إشاعة المحبة و المسرة و الفرح في جميع أنحائه و خاصة المساكين و أهل الحاجة فيه .أغنوهم عن طواف هذا اليوم .
على من تجب ؟
تجب على كل مسلم يملك مقدار صاع يزيد عن قوته و قوت عياله يوما و ليلة صام رمضان أو أفطر لعذر أو بغير عذر ، مسافراً كان أو مقيماً ، يخرجها عن نفسه و عمن تجب عليه نفقتهم شرعاً ، والنفقة تجب في الشرع بثلاثة أسباب :
أ-القرابة : فيخرج زكاة الفطر عن أولاده و أبوين إذا كانا فقيرين معسرين ، وألحقوا بالأبوين زوج الأم ، والولد الصغير إذا كان موسراً ففطرته في ماله كنفقته ، و تسقط زكاة الولد ببلوغ الغلام ، و كان قادرا على الكسب ، و لم يكن منشغلا بالأهم كالدراسة ، و بدخول البنت على وزجها
ب- النكاح أو الزجية : فيخرج الإنسان زكاة الفطر عن زوجته ، و ألحقوا بها زوجة الأب.
ج- الملك : فيخرج زكاة الفطر عن عبيده المسلمين ، ومعلوم أن هذا السبب غير متحقق الآن ، وإنما ذكرناه للفائدة

ما هو المقدار الواجب ؟
الواجب هو : الصاع : بنص حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما المتقدم ، و عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : ” كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام ، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر ، أو صاعاً من أقط ( البن المجفف ) أو صاعاً من زبيب ” .
والصاع مكيال أهل المدينة وهو : أربعة أمداد بمده عليه الصلاة و السلام . و المد : ملء كفي الرجل المعتدل ، فيكون الصاع أربع حفنات بكفي الرجل الذي ليس بعظيم الكفين و لا صغيرها .
والمطلوب : أن يخرج الإنسان مقدار صاع من الطعام المعتاد المقتات في البلد قمحاً أو غيره وتفضل الحنطة ، ومقدارها: على ما حرره العلماء من المالكية وغيرهم في الصاع أنه : خمسة أرطال و ثلث (الحنطة) من أواسط القمح .
ولما كان وجوب الزكاة متعلقاً بالمكيالات دون الموزونات . و المكيالات تختلف في الوزن : فمنها الثقيل كالحنطة و العدس ، و منها الخفيف كالشعير و الذرة ، و منها المتوسط بسبب ذلك – وقع الخلاف في تقديرها بالوزن ، من بلد إلى آخر كما هو معلوم ، والصواب : أن يراعي الإنسان عرف بلده مع أخذه بالأحوط . ويجوز في أياممنا هذه إخراج القيمة إذا اقتضتها المصلحة الراجحة ، وإن كانت مخالفة للمشهور ، إذ العبرة : إغناء الفقير عن الطواف في يوم العيد -كما جاء في الحديث -ودفع حاجته وسد خلته.
ومن لم يقدر على إخراج كامل ما عليه من الزكاة أخرج ما قدر عليه ، فإن وجب عليه آصع متعددة ، ولم يجد إلا بعضها فإنه يبدأ بنفسه ثم بزوجته ثم بقرابته كالإبن والأب
متى تجب ؟ ومتى تؤدى ؟
المشهور أن وقت وجوبها هو : غروب شمس آخر يوم من رمضان .
ويستحب أن تؤدى بعد فجر يوم الفطر قبل الغدو إلى المصلى . ويصح تقديمها بيوم أو يومين وقيل بثلاث كما روي عن أصبغ ، ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد ومن أخرها بلا عذر يأثم ، ويؤمر بها ولا تسقط عنه بحال من الأحوال .
لمن تدفع أو ما هو مصرفها ؟
تدفع زكاة الفطر للمسلم الحر الفقير و المسكين ، والمشهور أنها تعطى لفقير الزكاة ، وما تعارف عليه كثير من الناس من إعطائها إلى إمام المسجد أو النفار أو الغياط أو الطبال ( المسحراتي ) سواء أكانوا فقراء أم لا ، فهو عرف باطل .
واستحب الإمام مالك أن يعطى كل مسكين ما أخرج عن كل إنسان من أهله ، وله إخراج ذلك على ما يحضره بالاجتهاد ، ويراعي الأحوج والأصلح .
هل يجوز نقلها إلى بلد آخر ؟
الحكم في الزكاة مطلقاً ومنها صدقة الفطر : أنه لا يجوز نقلها عن موضع وجوبها ، وهو البلد الذي فيه المال والمالك والمستحق لها ، وإن فعل أجزأته مع الكراهة ، وقد قال الإمام مالك في كتاب ابن المواز في الذي يبعث من زكاته إلى العراق : “أن ذلك واسع ، وأحب إلي أن يؤثر من عنده من أهل الحاجة ، إن كانت الحاجة عندهم ” . وإذا كان الإنسان يعيش في بلد لا يوجد فيه مصرف زكاة الفطر ( الفقير المحتاج إليها ) جاز له نقلها إلى بلد آخر يوجد فيه مصرفها .
الدكتور محمد التمسماني