مظاهر رحمته بالطفل للدكتورة.وداد العيدوني

مظاهر رحمته بالطفل للدكتورة.وداد العيدوني

 مظاهر رحمته بالطفل  

فيض من الرحمة نلمسه في تعامله r مع الطفل : يقول أنس بن مالك واصفا رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأطفال: ” مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم” [1]

وعن أنس بن مالك t قال: جاء شيخٌ يريد النبي r فأبطأ القوم عنه أن يُوسِّعوا له فقال النبي r : “ليس مِنَّا من لم يرحم صغيرنا، ويوقِّر كبيرنا”[2].

وكانت رحمته r  بالطفل ابتداء من ولادته إلى وفاته ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله r : “ولد لي الليلة غلام ، فسميته باسم أبي إبراهيم ، ثم دعا النبي r  بالصبي، فضمه إليه ، وقال ما شاء الله أن يقول ، قال أنس : لقد رأيته وهو يكيد بنفسه – أي يجود بها في النزع الأخير للموت- بين يدي رسول الله r  ، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا ، والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون[3].

وتتجلى  رحمة النبي r بالأطفال في ما يلي :

1: النهي عن الغلظة مع الأطفال [4]:

من ذلك توبيخه للأقرع بن حابس التميمي لقسوته على أبنائه   إذ قال للرسول r :”إن لي عشرة من الولد ما قبَّلتُ منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله r  فقال: من لا يَرحم لا يُرحم [5].

فهذا الحديث بيانٌ عظيم لرحمته r ، وأن تقبيل الصبي من مظاهر الرحمة والشفقة.

 

2: الرفق بالأطفال إذا صلى بهم:

كان  r  رحيما بالأطفال رفيقا بهم يتألم لألمهم  وبكائهم.

روي أبو قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أُمَامَة بنت زينب بنت النبي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها [6].

ومن مظاهر شفقته ورحمته صلى الله عليه وسلم ، أنه كان يخفف في صلاته ولا يطيلها عند سماع بكاء صبي ، فعن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: “إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي ،فأتجوز في صلاتي ، كراهية أن أشق على أمه” [7].

كما كان r يطيل أو يُقصِّر من صلاته مراعاة لراحة الطفل فمرة يطيل السجود على غير عادته ، كما في القصة التي رواها شداد بن الهاد بقوله :” خرج علينا رسول الله r في إحدى صلاتي العشاء، وهو حامل الحسن بن علي أو حسينًا، فتقدم رسول الله r فوضعه ثم كبر للصلاة فصلَّى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها قال أبي: فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله r وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله r الصلاة قال الناس: يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يوحى إليك، قال: ” كل ذلك لم يكن ،ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته ” [8].

وعلى النقيض من هذا نجده أحيانا أخرى ، ومراعاة لحال الطفل يسرع في صلاته  لما رواه  أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوّز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه [9]


3:عدم تكليفهم بما لايطاق:

وكان من رحمته بالأطفال أنه لا يكلفهم ما لا يطيقون، وقد جاءه أطفالٌ يوم أُحُدٍ يريدون الخروج معه للقتال فرَدَّهم لصغر سنهم[10].

 

4: خوف النبي r على الأطفال من الشياطين:

قال الرسول r:” ‏‏إذا كان جنح الليل – أو أمسيتم – فكفوا صبيانكم‏.‏ فإن الشيطان ينتشر حينئذ‏.‏ فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم‏.‏ وأغلقوا الأبواب‏.‏ واذكروا اسم الله‏.‏ فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا‏.‏ وأوكوا قربكم‏.‏ واذكروا اسم الله‏.‏ وخمروا آنيتكم‏.‏ واذكروا اسم الله‏.‏ ولو إن تعرضوا عليها شيئا‏.‏ وأطفؤا مصابيحكم‏‏ وَاكْفِتُوا صِبْيَانَكُمْ عِنْدَ الْعِشَاءِ فَإِنَّ لِلْجِنِّ انْتِشَارًا وَخَطْفَةً[11] .

5:تربيتهم على مكارم الأخلاق[12]:

فلما نزل القرآن، مصدقًا لكلام عمير بن سعيد، عندما قال قول الصدق والحق في رجل شتم النبي r، أخذ النبي r بأذن عمير فقال له النبيr   – وهو يُحَيِّيه على الصدق- : ”  وفت أذنك يا عمير.. وصدّقَكَ رَبُكَ”[13].

        كما قال الرسول  r لأن يؤدب  الرجل ولده خير له من أن يتصدق بصاع ” [14]

6 :مواساة الرسول rللأطفال :

وتتجلى رحمته r في مواساته طفلاً لموت طائر صغير كان يلعب به، يقول أنس بن مالككان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل على أم سُلَيْم ، ولها ابن من أبي طلحة يُكَنَّى أبا عمير، وكان يمازحه، فدخل عليه فرآه حزينًا، فقال: ما لي أرى أبا عمير حزينًا؟ فقالوا: مات نُغْرُه – طائر صغير يشبه العصفور منقاره أحمر –  الذي كان يلعب به، قال: فجعل يقول: “أبَا عُمَيْر، مَا فَعَلَ النُّغَيْر؟”[15].

 

7: رحمته بالأطفال غير المسلمين:

لقد أرسى الرسول  rقواعد الرحمة مع غير المسلمين، ولم يكن يفرّق بين طفل مسلم وغير مسلم في رحمته.فمرة زار غلاماً يهودياً مريضاً كان يخدمه. فقال له: قل لا إله إلا الله فنظر الغلام إلى أبيه. فقال له: أطع أبا القاسم. فقالها الغلام. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي أنقذه من النار .[16]

 

8 :كفالة اليتيم:

        تعتبر كفالة اليتيم من أعظم أبواب الخير و الرحمة الإنسانية التي حثت الشريعة الإسلامية عليها.

وقد جاءت آيات القرآن الكريم دالة على بيان فضل رعاية اليتيم وعظم أجر كافله. قال تعالى : ﴿فأما اليتيم فلا تقهر[17] قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : “أي لا تذله وتنهره وتهنه ولكن أحسن إليه وتلطف به ، وكن لليتيم كالأب الرحيم[18].

وكان الرسول r أرحم الناس باليتيم وأشفقهم عليه حتى قال :” أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا [19]،كما عد الرسول   r أكل مال اليتيم من السبع الموبقات فقال r: “اجتنبوا السبع الموبقات  قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله ، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ،وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات” [20].  

كما جعل الإحسان إلى اليتيم علاجا لقسوة القلب . فعن أبي هريرة أن رجلا شكا إلى رسول الله r  قسوة قلبه فقال: امسح رأس اليتيم ، وأطعم المسكين[21] .

 

 

 

 

 

[1] – حديث صحيح ، رواه مسلم في صحيحه 1808/4ح 2316-وابن حبان في الصحيح  400/15 ح 6950-والبيهقي في السنن الكبرى 263/2ح 3235.

-[2]  رواه الترمذي في الجامع 321/4ح 1919وقال : هذا حديث غريب .وفي سنده “زربي” وله أحاديث مناكير عن أنس بن مالك .

[3] – حديث صحيح ، رواه مسلم في صحيحه 1807/4 ح 2315.

[4] – محمد مسعد ياقوت : نبي الرحمة ،ص: 201.

[5] –  متفق عليه . رواه البخاري في الجامع الصحيح 2235/5 ح 5651، ومسلم في الصحيح 1808/4 ح 2318.

[6] -متفق عليه ، رواه  البخاري في الجامع الصحيح 193 /1 ح494- ومسلم في الصحيح 385/1 ح543- 917 ،ومالك في الموطأ 170/1- وعبد الرزاق في المصنف 33/2ح 2379.

[7] – متفق عليه . رواه البخاري في الجامع الصحيح 250/1ح ومسلم في الصحيح 343/1ح 470.

[8] – حديث صحيح ،رواه  النسائي في السنن 243/1ح 1141-و الحاكم في المستدرك 181/3ح4775، وصححه .

[9] – حديث صحيح ، أخرجه البخاري في الجامع الصحيح  250/1ح677، و ابن ماجة في السنن 316/1ح989، و ابن خزيمة في صحيحه 50/3 ح1610، و ابن حبان في الصحيح510/5 ح2139.

[10] – صفي الرحمن المباركفوري: الرحيق المختوم ص:228.

[11] – حديث متفق عليه أخرجه البخاري في صحيحه 1203/3ح  3069 ومسلم في صحيحه  1595/3 ح 3756

[12] – محمد سعد ياقوت : نبي الرحمة ،ص: 202.

[13]-مصنف عبد الرزاق 47/10  ح  18304، والقصة معروفة في كتب السيرة.

[14] – رواه الترمذي في السنن 337/4ح 1951وقال : هذا حديث غريب ،قال المباركفوري :” هو حديث ضعيف لأن ناصحا الراوي عن سماك ليس بالقوي ” تحفة الأحوذي 70/6 وذكره العجلوني وقال :”قال الصغاني: موضوع” كشف الخفاء 198/2 ح 2084.

[15] – متفق عليه .  رواه البخاري في الجامع الصحيح 2270/5 ح 5778،  ومسلم في صحيحه1692  /3 ح 2150 ، وأبو داود  في السنن 293/4ح 4969 .

[16] – حديث صحيح رواه البخاري في الجامع الصحيح 455/1ح 1290 ، وأحمد في المسند 175/3.

[17] – الضحى الآية 9 .

[18] – تفسير ابن كثير 812/1.

[19] – رواه البخاري في الجامع صحيح 2237/5ح 5659.

[20] –  متفق عليه . رواه البخاري في الجامع الصحيح 1017/3 ح 2615، ومسلم في صحيحه92/1ح89.

[21] – رواه الإمام أحمد في مسنده 387/2 ح 9006.قال الهيثمي في مجمع الزوائد : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح .