مظاهر الرحمة المحمدية بالمرأة لدكتورة وداد العيدوني
مظاهر الرحمة المحمدية بالمرأة لدكتورة وداد العيدوني
مظاهر الرحمة المحمدية بالمرأة
كانت رحمة رسول الله r متساوية في العناية بكل الخلق لا تميز بين الرجل والمرأة ولا بين الغني والفقير ولا بين الأبيض والأسود ولا بين الصغير و الكبير. ومن مظاهر رحمة الرسول rبالمرأة :
1: تحرير المرأة من براثن الجاهلية [1]:
مما لا ريب فيه أن الإسلام رفع شأن المرأة وخلصها من براثن الجاهلية التي كانت تحط من قيمتها وتعتبرها ناقصة الأهلية ، ومجرد متاع يورث قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: “والله إن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمراً حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسَّم لهن ما قسم”[2]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : “كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها ،وإن شاؤوا زوجوها، وإن شاؤوا لم زوجوها ،فهم أحق بها من أهلها” [3].
بل كان المجتمع العربي يعتبر المرأة مصدر عار وذل ويقدم على وأدها ﴿وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظلَّ وجهه مسوداً وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بُشِّر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون﴾[4] ﴿وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾[5] .
فوضعية المرأة في الجاهلية اتخذت أشكالا متعددة من الظلم و الجور والمهانة فهي لم تكن تتمتع في المجتمع الجاهلي بأي من الحقوق المالية، فلم تكن ترث ولم يكن لها ذمة مالية مستقلة،كما لم يكن لها حق اختيار الزوج . إلى أن جاء الإسلام بأحكام خاصة بها حيث منحها أهليتها الاجتماعية و الاقتصادية كاملة غير منقوصة ، وخول لها حقوقا لم تكن لها من قبل [6].
بل أكرمها أما لما رواه أبوهريرة رضي الله عنه قال: “جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك” [7]
وأختا : فعن أبي رمثة رضى الله عنه قال: “انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول: “برَّ أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك” [8].
وكرمها بنتاً: فعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو” ـ وضم أصابعه ـ أي: معاً.[9] .
2: إنصاف المرأة [10]:
ومن مظاهر رحمة الرسول r بالمرأة ، منحها مجموعة من الحقوق لم تكن تعرفها في المجتمع الجاهلي مثل : الحق في التعلم ،الحق في الجهاد ،الحق في التملك ،الحق في العمل ،الحق في ممارسة السياسة ،والحق في المساواة في مصدر الخلق والتكوين مع الرجل، من غير تمييز في ذلك، بين الذكر والأنثى، فهما معاً: المخلوق المكرّم العزيز عند الله تعالى، الذي أكرمه الله تعالى بالعلم والمعرفة، وسخّر له السماوات والأرض، وكل ما وجد من حوله، ليستخلف الله تعالى في أرضه، [11]قال تعالى: ﴿ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً﴾[12].
ومن أهم مظاهر إنصاف الإسلام للمرأة ، إنصافها في أحكام الإرث كما في قوله تعالى: ﴿للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضاً﴾[13] فكانت هذه أول آية تنص على توريث النساء، قبل أن تحدد الفروض المقدرة في الميراث للرجال والنساء·
بل أصبحت المرأة في ظلال الإسلام نصف المجتمع بعد أن كانت على الهامش ، وشقيقة لأخيها الرجل كما في الحديث الشريف “إنَّما النساء شقائق الرجال”[14] قال الخطابي في معالم السنن: “أي: نظائرهم وأمثالهم في الخلق والطباع، فكأنهن شققن من الرجال “[15].
3 :إكرام الأم:
لقد أمر الله تعالى بصحبة الأم والإحسان إليها وإن لم تكن مسلمة ، قال تعالى: ﴿ وان جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما ﴾[16].
و عن أسماء بنت أبي بكر الصديق قالت: قدمت عليّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله rفاستفتيت رسول الله، قلت: قدمت عليّ أمي وهي راغبة – أي طامعة فيما عندي – أفأصل أمي؟: قال نعم صلي أمك”[17].
بل تجلت رحمته بالأم في أعظم صورها عندما جعل الرسول r برها من الجهاد، عن أنس tقال: أتى رجل النبي rفقال: إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه قال: هل بقي من والديك أحد؟ قال: أمي، قال: فأبل الله من برّهما، فإذا فعلت ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد ” [18]. ومعنى:فأبل الله في برّها أي: أحسن فيما بينك وبين الله يبرك إياها.
جاء رجل إلى رسول الله r فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك) قال :ثم من ؟ قال (أمك) قال: ثم من ؟ قال: (أمك) قال: ثم من ؟ قال: (أبوك) [19].
4 :حسن معاملته r لزوجاته:
فقد روي عن أم المؤمنين عائشة في أكثر من موضع أن النبي r كان في خدمة أهل بيته يعاونهم ويخفف عنهم.
سُئلَتْ عَائِشَةُ رضيَ اللَّه عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته قالت كان يكون في مهنة أهله تعني خدمة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة“[20].
ومن رحمته، أنه كان لين الطبع مع أهل بيته، كما أخبرتنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها- تقول: كنت إذا هَوَيْتُ شيئاً تابعني r عليه. كنت أتعرق العظم وأنا حائض فأعطيه النبي r فيضع فمه في الموضع الذي فيه وضعته، وأشرب الشراب فأناوله، فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب منه[21].
وأجمل نفحات الرحمة تلك التي أهداها إلى النساء حين قال: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”[22] .
وحين قال r:”إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً، وخياركم خياركم لنسائكم”[23].
5 :الوصية بالنساء خيراً [24]:
امتثالاً لقول الله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾، وكان يقول لأصحابه: “اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا” [25]وقد كرر الرسول هذه الوصية مرارا آخرها في حجة الوداع ،
ومن مظاهر رحمته بالمرأة قوله صلى الله عليه وسلم: “ثم إِنِّي أُحَرِّجُ عليكم حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ” [26] فوصفه للمرأة بالضعف هنا يراد منه رحمتها، وحسن عشرتها، والإحسان إليها، وعدم إيذائها.
6:الحث على إكرام الفتاة والإحسان إليها:
وكمثال على ذلمك ما روته عائشة زوج النَّبِيِّ rقالت: جاءتني امرأة معها بنتان تسألني ، فلم تجد عندي غير تمرة واحدة ، فأعطيتها ، فقسمتها بين ابنتيها ثم قامت فخرجت ، فدخل النبيr فحدثنه فقال: “من يلي من هذه البنات شيئا فأحسن إليهن كن له سترا من النار”[27].
وبناء عليه ، ليس لحسن رعاية البنات في الإسلام جزاء إلا الجنة، لقول النبي r: “من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن، وأطعمهن، وسقاهن، وكساهن من جدته؛ كن له حجابًا من النار يوم القيامة”[28] فأوجب r له الجنة برحمته بناته. وكأنه يقول لنا: ارحموا النساء وهن بنات صغيرات ضعيفات. فإن رحمتموهن، فقد وضعتم أيديكم على هذا الكنز المأمول؛ ألا وهو الجنة والنجاة من النار[29].
7: ترغيبه r في السعي على الأرامل:
نوع آخر من الرحمة يظهر في حياة النبي r يتمثل في السعي على الأرامل: “الساعي على الأرملةِ والمسكين كالمجاهدِ في سَبيلِ الله: كالقائم لا يَفتُر وكالصائم لا يُفطِر”[30]. ومعنى الساعي على الأرملة و المسكين : الذي يذهب ويجيء في تحصيل ما ينفع الأرملة والمسكين”[31] ،و الْعَامِل لِمَئُونَتِهِمَا، فكافل الأرملة كالمجاهد في سبيل الله سواءً بسواء.
[1] – انظر : محمد الغزالي : قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة ،ص:62-63- ومحمد عمارة : التحرير الإسلامي للمرأة: الرد على شبهات الغلاة ص:63-67
[2] – متفق عليه ، رواه البخاري في الجامع الصحيح 1866/4 ح 4629 ،ومسلم في صحيحه 1108/2 ح 1479.
[3] – رواه البخاري في الجامع الصحيح 2548/6ح 6549
[4] – سورة النحل ،آية:58-59.
[5] – سورة التكوير ،آية :8 و9.
[6] – محمد مسعد ياقوت :نبي الرحمة ص، 187-188- وعبد الرحمان بن عبد الله: نبي الرحمة ،ص:5-6.
[7] – متفق عليه . رواه البخاري في الجامع الصحيح 924/2ح 2477- ومسلم في صحيحه 696/2 ح 1003.
[8] – أخرجه الحاكم في المستدرك 167/4ح 7245. وقال ابن حجر :” أخرجه الحاكم وأصله ثم أصحاب السنن الثلاثة وأحمد وبن حبان ” فتح الباري 402/10
[9] – حديث صحيح ، أخرجه مسلم في صحيحه 2027/4 برقم2631
[10] – محمد عمارة: المرجع السابق ص، 25-26
[11] – محمد سعيد رمضان البوطي: فقه السيرة،ص:154 .
[12] – سورة الإسراء آية: 70.
[13] – سورة النساء آية :7.
[14] – رواه أحمد في المسند 256/ 6 وأبوداود في السنن 61/1ح 236والبيهقي في السنن168 /1.قال ابن القطان :”هو من طريق عائشة رضي الله عنها ضعيف ،ومن طريق أنس صحيح “. إبراهيم بن محمد الحسيني : البيان و التعريف 261/1.
[15] – الخطابي : معالم السنن 1/ 79.
[16] – سورة لقمان آية:14.
[17] – متفق عليه . رواه البخاري في الجامع الصحيح 924/2ح 2477- ومسلم في صحيحه 696/2 ح 1003.
[18] – حديث حسن ، رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط، قال المنذر: إسناده جيد، وحسنه والهيثمي في مجمع الزوائد 138/8 ،
[19] – متفق عليه .رواه البخاري في الجامع الصحيح 2227/5 ح 5625- ومسلم في صحيحه1974/4 ح2548
[20] – حديث صحيح ،رواه البخاري في الجامع الصحيح 239/1ح 643.
[21]– محمد مسعد ياقوت : نبي الرحمة ،ص: 87.
[22] – حديث صحيح ، رواه ابن حبان في صحيحه 491/9 ح4186. ورواه الحاكم بلفظ:” خيركم خيركم للنساء وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه . المستدرك على الصحيحين 191/4 ح 7327.
[23] – رواه الهيثمي في : موارد الظمآن 318/1 ح1311 و ابن حبان في صحيحه 483 /9 ح 4176،والحاكم بلفظ ” …أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله” وقال : رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ . المستدرك 119/1ح 173.
[24]– محمد علي الخطيب : رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة – منشور على الموقع الإلكتروني: http://www.dahsha.com
[25] – حديث صحيح ، رواه مسلم في صحيحه 1091/2 ح 1468
[26] – رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين 131/1ح 211 وقال : حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه .
[27] – حديث صحيح، أخرجه البخاري في الجامع الصحيح 2234/5 ح 3668
[28] – رواه أحمد في المسند 154/4 وابن ماجة في السنن 1210/2 ح 3669 وأبو يعلى في المسند 299/3 وعبد بن حميد في مسنده وقال “وكان ابن عباس إذا حدث بهذا الحديث قال :هذا و الله من غريب الحديث وغرره”209/1 ح 615.
[29] – عبد الرحمن بن عبد الله: نبي الرحمة ،ص:89.
-[30] متفق عليه رواه البخاري في الجامع الصحيح 2047/5 ح 5038، ومسلم في صحيحه 2286/4ح 2982ـ وابن حبان في الصحيح 55/10ح 4245.
– [31] ابن حجر : فتح الباري 499/9 .