في الحفاظ على البيئة للدكتور محمد كنون الحسني

في الحفاظ على البيئة للدكتور محمد كنون الحسني

في الحفاظ على البيئة

إن  لله  سبحانه  وتعالى خلق الإنسان وجعله خليفة  في الأرض وسخر له المخلوقات، فقال عز من قائل ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ  وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ).

  وأمر سبحانه وتعالى الإنسان أن يحافظ على الماء والنبات ، والحيوان وجميع الكائنات، ويزرع ولا يقطع فقال سبحانه: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فيها ) أي طلب منكم إعمارها  والمحافظة على ما فيها من مخلوقات وحسن استثمار ما أودعه الله  فيها من خيرات.

فالأرض وما فيها، والكواكب المحيطة بها، والنباتات والحيوانات والطيور والحشرات، والأودية والسهول والجبال، كلها مسخرة للإنسان ومخاطب بضرورة العناية بها، وهي جزء من الأمانة التي حملها فأضحى مسؤولا عنها، محاسبا على التفريط فيها و إتلافها.

ففي الآية السابقة جاء قوله تعالى  “فأخرج به من الثمرات رزقا لكم” وتكرر قوله تعالى في الآية الثانية : ” سخر لكم” ، ليؤكد على أن الهدف من إيجاد ما ذكر هو أنتم معشر بني آدم، وحاجتكم لما ذُكِرَ ماسة لا تخفى عليكم، إذاً فهي نعمة تعيشونها لا دور لكم في إيجادها، وإنما دوركم في كيفية استغلالها. والاستغلال الأمثل يقتضي الاستفادة مع التنمية والزيادة.

وفي الأمر بالحفاظ على الموجود نصوص لا يتسع المقام لذكرها. من ذلك قوله جل وعلا : (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا )، والإفساد في الأرض نوعان: إفساد معنوي وإفساد حسي.
فالإفساد المعنوي:  يكون بالذنوب والمعاصي، فكم دمرت الذنوب والخطايا صروحا من النعم لا تعد ولا تحصى، وكم أفسدت من الأعمال والأعمال،  وعلى هذا فالتوبة المستمرة والاستغفار الدائم هما أساسا الإصلاح والبناء .

والإفساد الحسي: يكون بالإساءة إلى هذه النعم التي مكننا الله منها، من ماء ونبات وحيوان وهواء وغيرها مما اصطلح عليه في وقتنا الحاضر بالبيئة،

من هنا فإن الإنسان مطالب بالإحسان للبيئة كما هو مطالب بالإحسان لغيرها، ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم  أنه قَالَ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ } رواه مسلم. والبيئة جزء من كل شيء وهي داخلة في الإحسان، والإحسان له معنيان: الإتقان والإحكام، والعطف وتقديم الخير والنفع للآخرين.

والإحسان للبيئة يكون بأن لا يتصرف فيها إلا :

    • محسن للتصرف، عارف ماذا يفعل ومدرك لعواقب تصرفه ولو كان تصرفا بسيطا، وعطوف على الكائنات التي تقوم على هذه البيئة ولو كانت حشرات صغيرة. ومن التصرف في البيئة القتل للكائنات الحية، والقطع للأشجار والنباتات، وهذا تصرف لا غنى للإنسان عنه، ولكن لابد من الإحسان فيه، والإحسان هنا.

    • ان يكون بقدر الحاجة

    • وفي المكان والوقت المناسبين.

وعدا ذلك يكون إفسادا وتدميرا وإسرافا، موعود فاعله بالمحاسبة الإلهية في ذلك. وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ فَلَمَّا رَأَوْا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ لَعَنْ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ مَنْ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا.

لعنٌ لمن عبث بالكائنات فقتلها ليرميها، أو عذّبها لأجل أن يتدرب عليها.
الصيد متعة ولكن إذا كان لغير حاجة الأكل، أو لغير دفع أذى فهو جرم لا يعذر فاعله.وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنْ الْأُمَمِ تُسَبِّح، فلم يعذر وهو نبي! وقد أوذي! ذلك أن ردة الفعل تعدت إلى غير الجاني مع أنها حشرات لا يؤبه لها عادة. ولكنه الإسلام يضمن لكل حق العيش بسلام.

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي جُحْرٍ } النسائي وذلك رحمةٌ بالكائنات الحية وحماية لها حتى من البول على جحورها.

وأما القسم الثاني من شكر نعمة البيئة وهو إيجاد المفقود. فصلاة الاستسقاء أيضا هي من العمل على إيجاد المفقود، وكذلك الغرس للشجر حتى ولو خيف قيام الساعة، ولقد منح الغارس ثوابا لغرسه كلما أكل أو استظل بغرسه. فهذا ديننا، دين يشعر الفرد بأهمية بيئته لحياته، ويجعله جزء منها ليحميها وينميها. البيئة خلقت بقَدَر محكم، ولكلٍ بيئة ولكل أناس ما يناسبهم وينفعهم، يقول جل في علاه : ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ), فلم يخلق شيئا أبدا بلا قيمة، وإلا كان ذلك عبثا تنزه الله وتعالى عنه. والجناية على البيئة بقطع شجرها، أو قتل كائناتها، أو تجريف تربتها، أو العبث برياضها ونباتاتها هو جناية على الأرض ومن فيها.

البرية بالنسبة للناس جميعا هي جزء من حياتهم لا غنى لهم عنها، فمن لم يعش فيها، فلابد له من زيارة لها، يجدد فيها نشاطه، فيها يصفو ذهنه ونَفَسه وبصره، فهي لنا ونحن لها، حاجتنا إليها أكثر من مجرد متعة نقضيها في جوانبها.

إننا مأمورون بحسن التعامل  مع الكون والبيئة التي نعيش في محيطها بما فيها من أرض وفضاء، ونبات وهواء وبحار وأنهار، وزروع وأشجار، وحيوانات وطيور و ذلك : بالمحافظة على الماء إذ جعله الله  تعالى سببا للحياة فقال سبحانه : ( وجعلنا من الماء كل شيء حي )، وكان النبي صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في المحافظة على الماء فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:  كان النبى صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع.

ومن حسن التعامل  مع الكون والبيئة المحافظة على النظافة ومكافحة التلوث وقد أمرنا بنظافة البيوت وساحاتها ومرافقها، يقول صلى اللهعليه وسلم : “إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفنيتكم”، كما أن نظافة الطرقات من شعب الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم : “الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان”.

ومن العناية بالكون والبيئة الحث على الزراعة وجعلها من أبواب الصدقات، قال رسول الله عليه وسلم : ” ما من مسلم يغرس غرسا، أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة”

ومن ذلك المحافظة على الثروة الزراعية، قال صلى الله عليه وسلم”من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر وما أكلت العافية منها فهو له صدقة”، والعافية : هي كل من يطلب الرزق من إنسان أو بهيمة أو طائر.

ومن العناية بالكون والبيئة المحافظة على الثروة الحيوانية فأمرنا بالرفق بالحيوانات ونهينا عن تعذيبها، قال صلى اللهعليه وسلم : عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض». فالرفق بالحيوان مطلب شرعي ومظهر حضاري.