دور التربية في المحافظة على القيم للدكتور محمد كنون حسني

دور التربية في المحافظة على القيم للدكتور محمد كنون حسني

    دور التربية في المحافظة  على القيم

يهدف الدين الإسلامي من خلال تعاليمه ومبادئه  إلى تكوين  الفرد الفاضل المتخلق الصالح لنفسه ولمجتمعه ويعده لتحمل مسؤولياته، فلقد دعا الإسلام إلى التربية الحميدة وأمرنا بمحاسن الأخلاق وبعث لنا سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم لإتمامها، يقول صلى الله عليه وسلم ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” وبين لنا فضل  حسن الخلق في أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم :” ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق ” وهذا توجيه منه صلى الله عليه وسلم لنا للسعي إلى تكوين تلك الشخصية المسلمة المتزنة الإيجابية عقيدة وسلوكا والتي يستحضر صاحبها دائما رقابة الله عز وجل فلا يقرب المعاصي والرذائل والنقائص كيفما كان شكلها ومهما كان حجمها. ويلتزم بمحاسن الأحلاق وجميل الصفات.

فالدين الإسلامي من خلال تعاليمه ومبادئه يهدف إلى تكوين ذلك الفرد الفاضل المتخلق الصالح لنفسه ولمجتمعه، ويعده لتحمل مسؤولياته والتي تعتبر من بين أهمها تكوين أسرة صالحة وتوفير المناخ النفسي الملائم لها والذي تنمو فيه عوامل الترابط والتوافق ولتقوم هذه الأسرة أيضا برسالتها المنوطة بها كل هذا لينشىء مجتمعا زاهرا ومتقدما في شتى المجالات .

وإذا كانت الطفولة من أهم وأخطر مراحل حياة الإنسان التي تتشكل فيها معظم معالم شخصيته المستقبلية, حيث يتم خلالها إكسابه القيم والاتجاهات والعادات ومختلف أنماط السلوك القويم التي يرضى عنها المجتمع، وتكون إطارا تتحدد به معالم شخصيته،  فإن الاهتمام بالقيم الإسلامية وغرسها في سلوكيات الطفل تعد من أوجب الواجبات حتى يستطيع مواجهة تحديات العصر وتحقيق طموحاته المستقبلية من خلال التعرف والتخلق بالقيم الإسلامية في المجالات التربوية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، التي تجمع بين الأصالة والتجديد, وتطبيقاتها العملية المتعددة والمتنوعة،حتى يصبح في الدنيا قادراً على فعل الخير لنفسه ولأمته، وعلى الخلافة في الأرض, وجديراً في الآخرة برضى الله وثوابه وبمعنى آخر: المحافظة على فطرة الطفل وصيانتها من الانحراف وتنمية جسمه وعقله وروحه وجميع مداركه بالوسائل التربوية التي بينت أسسها وقواعدها الشريعة الإسلامية, ليصبح إنساناً متكامل النمو كاملاً بالهدف الذي خُلق من أجله وهو العبادة.

وهناك عوامل كثيرة تؤثر في حياة الطفل وتسهم في رسم معالم تربيته وتكوينه الخلقي وبناء شخصيته على القيم التي جاء بها ديننا الحنيقف منها: الأسرة، والمدرسة، والمجتمع.

  1. الأسرة:

المصدر الأول في التربية وفي تكوين القيم وتوجيه السلوك، الذي يغذي الأطفال بالمبادئ والقيم الإسلامية عن طريق الممارسة اليومية، والسلوك الخلقي الحسن للوالدين، وقد أكد علماء النفس والتربية أن الأسرة لها الأثر الأكبر في تشكيل شخصية الفرد وبنائها وتشبعها بالقيم والمبادئ التي يعيشها سلوكاً طبيعياً وعملياً قبل أن يعرفها في معانيها ودلالات مصطلحاتها، فللآباء المسؤولية الكاملة في تربية الطفل تربية صالحة سليمة متوازنة في جميع جوانب الشخصية الفكرية والعاطفية والسلوكية والروحية, فالطفل بفطرته مبني على معرفة الخير, والقيم الإسلامية تستهدف الكشف عن جوانب هذا الخير وتقويتها,فقد ورد أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: “ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه ،”

لذا ركز الإسلام على بناء الأسرة, ووضع القواعد الأساسية في تنظيمها وضبط شؤونها, وركز على نقائها وطهارتها منذ اللحظة التي يفكر فيها الرجل في بناءها، فحدد  له أسس اختيار الزوجة الصالحة وأمره بالإنفاق عيها بالحلال ورعياتها ومعاملتها بالحسنى، وحث المرأة على الحفاظ على تماسك الأسرة وعدم تفتيت الكيان الذي يحمي الأطفال ويعدَّهم للمستقبل الذي ينتظرهم، وحمل الكل مسؤولية ذلك رسول الهدى حين قال صلى الله عليه وسلم: ” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، الأمير راع ، والرجل راع على أهل بيته ، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده ، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”

  1. المدرسة:

 البيئة الثانية من حيث الأهمية في حياة الطفل،ذات التأثير الكبير في التكوين الخلقي وتوجيه سلوكه وتعديل النوازع والمواقف والاتجاهات، لذلك وجب أن تكون القيم والأخلاق الإسلامية أساساً للمعارف التي يحصل عليها الطفل من المدرسة من أجل تنشئته وإعداده للدنيا والآخرة إعداداً يشمل روحه وعقله ونفسه وجسده, وتنمية ما لديه من طاقات فردية واجتماعية لتكون له شخصية متوازنة مستقلة ومؤثرة لا مستلبة

  1. المجتمع:

إن البيئة التي يحيا فيها الطفل والمجتمع الذي يعيش فيه لهما تأثير بالغ في تكوينه وتربيته على القيم،  لأن الطفل يتشرب معالم التربية والأخلاق في بيئته، ويتأثر بتراث مجتمعه الخلقي والاجتماعي والثقافي طوال حياته فمرجع الصفات الخلقية في تكوين الشخصية يعود إلى البيئة و المجتمع والرفاق  مما يستلزم وجوب التعاون بين الأسرة والمدرسة والمجتمع من أجل التربية على القيم ووضع الأسس السليمة لبناء المجتمع القويم،وقد أبرزت السنة النبوية الشريفة خطورة تأثير المجتمع في التكوين الخلقي، ودعت إلى تطهير المجتمع وإقامة دعائمه على الفضائل والتناصح بالخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أكدت على حسن اختبار الأصدقاء والجلساء فقد ورد في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” مثل الجليس الصالح والجليس السوء ، كمثل صاحب المسك وكير الحداد ، لا يعدمك من صاحب المسك : إما تشتريه أو تجد ريحه ، وكير الحداد : يحرق بدنك أو ثوبك ، أو تجد منه ريحا خبيثة” ويرى الإمام الغزالي أن صيانة الصبي عن مخالطة قرناء السوء ومجالستهم تعد من الواجبات الأساسية التي ينبغي على الآباء المعلمين القيام بها.

وهكذا يبدو ما للمجتمع من أثر في إكساب القيم والعادات الحميدة وترسيخها في ذهن الناشئة، وهذا يقتضي وجود وسط اجتماعي ملائم ومناخ تربوي صالح يعمل بشكل مؤثر في إكساب القيم والمثـل العليا وتقديمها على أنها عمل وسلوك يترجم الأخلاق، ويدعو إلى تضافر الجهود بين المؤسسات الرسمية التربوية والاجتماعية والإعلامية، ومؤسسات المجتمع المدني  من أجل رصد ومحاربة المذاهب الغريبة والتيارات الهدامة، وبث السلوك الإيجابي الذي يعزز قيمنا الإسلامية ويترجمها سلوكاً مباشراً في الأقوال والأفعال.

فإذا كانت هذه هي أهم الوسائط التي تؤثر في اكتساب القيم  وغرسها في نفوس الأطفال فكيف يمكن لنا أن نحافظ على هذه الوسائط ونوجهها حتى تكون في مستوى التأثير المطلوب والغرس المرغوب فيه، وما هي الجهات التي يمكن أن تتدخل للتعليم والتوجيه والإرشاد؟، فمن نافلة القول أن للمؤسسات الرسمية وجمعيات المجتمع المدني والمساجد والمنتديات العلمية والدينية، دورها الهائل بل الحاسم في سيرورة الإصلاح والتوجيه، والتمهيد له بإعداد الشروط والمقدمات الضرورية والكافية.