تأملات في سورة الناس للدكتور محمد كنون الحسني

تأملات في سورة الناس

قُلَ اَعُوذُ بِرَبِّ اِ۬لنَّاسِ (1) مَلِكِ اِ۬لنَّاسِ (2) إِلَٰهِ اِ۬لنَّاسِ (3) مِن شَرِّ اِ۬لْوَسْوَاسِ اِ۬لْخَنَّاسِ (4) اِ۬لذِے يُوَسْوِسُ فِے صُدُورِ اِ۬لنَّاسِ (5) مِنَ اَ۬لْجِنَّةِ وَالنَّاسِۖ (6)

 

من أعظم ما أنزله الله عز وجل في القرآن سورة عظيمة فيها من المعاني والعبر، وفيها من التوجيه والنصح ما يعجز الإنسان عن حصره والكلام في معانيه، هي سورة الناس.

سورة الناس من السور المكيّة، وهي من قصار السور، وترتيبها في المصحب الشريف السورة رقم مئة وأربعة عشر، نزلت بعد سورة الفلق، وعدد آياتها ستّ، وهي إحدى المعوذتين، وقد سُمّيت بهذا الاسم لأنها ابتدأت بكلمة الناس.

وقد نزلتْ سورة الناس لتكون رقية للنبيّ -عليه الصلاة والسلام-، إذ ورد في سبب نزولها: أن غلامًا من اليهود كان يخدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فجاء إليه اليهود وطلبوا منه أخذ مشاطة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإضافة إلى أسنان من مشطه ليسحروه، فأعطاهم فسحروا فيها، وكان الذي تولى ذلك لبيد بن أعصم اليهودي، ثمّ وضعها في بئر، فمرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصبح  يرى أنه يأتي نساءه ولا يأتيهنّ، وأخذ يدور ولا يدري ما جرى له، وبينما هو نائم ذات يوم أتاه ملكان فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فقال الذي عند رأسه: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب قال: وما طبه؟ قال: سحر قال: ومن سحره؟ قال: لبيد بن أعصم اليهودي، قال: وبم سحره؟ قال: بمشط ومشاطة قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان. فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عائشة ما شعرت أن الله أخبرني بدائي، ثم بعث علياً والزبير وعمار بن ياسر فنزحوا ماء تلك البئر كأنه نقاعة الحناء ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف فإذا هو مشاطة رأسه وأسنان مشطه، وإذا وتر معقد فيه أحد عشر عقدة مغروزة بالإبر، فأنزل الله تعالى سورتي المعوذتين فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة، ووجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خفة حتى انحلت العقدة الأخيرة فقام كأنما نشط من عقال، وجعل جبريل -عليه السلام- يقول: بسم الله أرقيك من كلّ شيء يؤذيك ومن حاسد وعين الله يشفيك”

وفي هذا إشارة إلى أنها دواء من السحر.

 والسورة الكريمة في مجملها استجارة واعتصام ولجوء إلى ربّ الناس من أجل استعاذته من شر الإنس والجن، لأنّ الله تعالى هو الملجأ وهو المنجي الذي يكون دونه جميع العظماء ، كما تتضمّن سورة الناس استعاذة من شر الشيطان، والشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وفي الوقت نفسه تتضمن استعاذة من شياطين الإنس؛ لأنّ الشياطين نوعان: شياطين الإنس وشياطين الجن، وشياطين الجن توسوس في الصدور أما شياطين الإنس فتأتي بشكلٍ مُعلَن وتوسوس، لذلك يجب الاستعاذة من كلا الشيطانين.

يقول سبحانه: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس مَلِكِ النَّاس إِلَهِ النَّاس * ﴾ 

قال ابن كثير : “هذه الصفات من صفات الرب عز وجل، الربوبية والملك والإلهية، فهو رب كل شيء ومالكه وإلهه، فجميع الأشياء مخلوقة له، مملوكة له، فأمر المستغيث أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات من شر الوسواس الخناس.

روى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلـم قال: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ»، قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَإِيَّايَ، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ”

وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي تميمة الهُجَيمِي عمن كان رديف النبي صلى الله عليه وسلـم قال: كُنْتُ رَدِيفَهُ عَلَى حِمَارٍ، فَعَثَرَ الْحِمَارُ، فَقُلْتُ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلـم: «لَا تَقُلْ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ، تَعَاظَمَ فِي نَفْسِهِ، وَقَالَ: صَرَعْتُهُ بِقُوَّتِي، فَإِذَا قُلْتَ: بِسْمِ اللَّهِ، تَصَاغَرَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ، حَتَّى يَكُونَ أَصْغَرَ مِنَ الذُّبَابِ”.

ونقف عند قوله تعالى: قل أعوذ بِرَبِّ النَّاسِ، مَلِكِ النَّاسِ، إِلَهِ النَّاسِ .. ففي سورة الفلق أمر سبحانه بالاستعاذة من شرور أربعة؛ شر ما خلق إنسا كان أو جنا، ومن الظلام الغاسق، والنفاثات في العقد، أي السحرة، ومن الحساد والحاسدين، كل ذلك بصفة واحدة وهي الربوبية، بينما في هذه السورة أمر بالاستعاذة من شر واحد، وهو الوسواس الخناس، بثلاث صفات؛ الربوبية والملك والألوهية؛ وذلك لأن المستعاذ منه في سورة الفلق أمور يأتي من خارج الإنسان، وقد تكون شرورًا ظاهرة، يمكن التحرز منها، أو اتقاؤها قبل وقوعها، وتجنبها إذا علم بها. بينما الشر الواحد في هذه السورة يأتي الإنسان من داخله، بهواجس النفس وما لا يقدر على دفعه إلا بالاستعاذة بالله، إذ الشيطان يرانا ولا نراه: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ﴾ ، وأول جناية وقعت على الإنسان، إنما هي من هذا الوسواس الخناس، فوسوس إلى الأبوين- عليهما السلام-، ﴿  فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ، وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ، فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ، فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾، ثم بعد سكناهما الأرض أتى ابنيهما قابيل وهابيل فوسوس لأحدهما حتى طوعت له نفسه قتل أخيه، ﴿فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.

ثم إن الحق سبحانه وتعالى: بدأ (بِرَبِّ )، ثم أتبعها (بمَلِكِ)، ثم (بإِلَهِ ) فما حكمة هذا الترتيب؟ وما فائدة إعادة الناس ظاهرا مع إمكان ضميره؟.ثم إعادتهم في نهاية السورة، ( في صدور الناس )  (من الجنة والناس )، هل هذا مجرد تكرار ؟ وسجع فقط، أبدا إن فيه إشارات ودلالات ومعاني عظيمة.

فالباري عز وجل ربى الناس بنعمه أجنَّةً وأطفالا وشبابا، فقال: (رَبِّ النَّاسِ) فالخطاب هنا للأطفال والصبيان،  فلما شبوا عرفوا أنهم عبيد لملك قاهر لهم، وهو الله سبحانه وتعالى، فقال: (مَلِكِ النَّاسِ)، فلما عرفوا وجوده وملكه سبحانه كلفوا بعبادته وأمره ونهيه وانفراده بالألوهية والعبادة، فقال: (إِلَهِ النَّاسِ).فالمراد بالناس في الخطاب الأَوّل الأَطفال ومعنى الرّبوبيّة يدلّ عليه، وبالثَّانى الشُّبّان ولفظ المُلْك يدلّ عليه؛ وبالثالث الشيوخ، ولفظ إِله المنبئ عن العبادة يدلّ عليه؛ والمقصود بالناس في المرة الرابعة (صدور الناس) الصّالحون والأَبرار- والشيطان مولع بإِغوائهم، وبالخامس( من الجنة والناس ) المفسدون والأَشرار، وعَطْفه على المعوَّذ منهم يدل ّ عليه. اهـ.

وقوله سبحانه وتعالى: ﴿مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ﴾

أي من أذى الشيطان الموكل بالإنسان الذي يوسوس عند الغفلة، ويختفي عند ذكر الله،  فلم يقل الشيطان ولكن الوسواس؛ لأن الوسوسة هي أبرز صفة للشيطان وأخطرها وأضرها على الإنسان، والوسوسة: هي الكلام الخفي الذي يلقيه الشيطان في قلب العبد؛ من الأفكار والأوهام والتخيلات التي لا حقيقة لها، فما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يزين له الفواحش، جاء عن أنس رضي الله؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ»، وقال  صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ»، قَالُوا: وَإِيَّاكَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «وَإِيَّايَ، إِلَّا أَنَّ اللهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ»،

والخناس: أي الذي يختفي بعد ظهوره، ولما كانت الكواكب تظهر ليلاً وتختفي نهاراً قال الله عنها: ﴿فلا أقسم بالخنس﴾، والخنوس: الرجوع إلى الوراء، فالخناس مأخوذ من هذين المعنيين؛ من الاختفاء والرجوع والتأخر، وهو حال الشيطان الذي يختبئ وينهزم ويولي ويدبر عند ذكر الله عز وجل، فإذا غفل العبد عن ذكر الله جثم على قلبه الشيطان وانبسط عليه، وبذر فيه أنواع الوساوس التي هي أصل الذنوب كلها، أما إذا ذكر العبد ربه واستعاذ به انخنس الشيطان وانقبض وتوارى، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ، وَلَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ المَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى».

ثم لما ذكر وسوسة الشيطان ذكر محل تلك الوسوسة فقال تعالى: ﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ﴾، فقد جعل الله للشيطان دخولاً في قلب العبد ونفوذاً إلى صدره، فيبثُّ الشر ويلقي الشكوك فيه، بالدعاء إلى طاعته بكلام خفي يصل إلى القلب، وأول ما يدعو إليه الشيطان وأخطره: الكفر والشرك ومعاداة الله ورسوله، فإذا لم يظفر بذاك، إنتقل إلى المرتبة الثانية وهي ارتكاب الكبائر، فإذا عجز عن ذلك انتقل إلى الصغائر، فإذا عجز عن ذلك أشغله بالعمل المفضول عن الفاضل. 

 والوسوسة نوعان:

نوع مصدره من الجن، قال تعالى: ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ﴾ ، ونوع من نفس الإنس. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾، وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا وَسْوَسَتْ، أَوْ حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلَّمْ»، فالشر من الجهتين: وسوسة النفس ووسوسة الشيطان، فما كرهته نفسك لنفسك فهو من الشيطان فاستعذ بالله منه، وما أحبته نفسك لنفسك فهو من نفسك فانهها عنه، وكلاهما وسوسة أمرنا الله بالاستعادة منها.

ثم قال سبحانه: ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾

وهذا بيان لمن يقوم بالوسوسة في صدور الناس؛ وهم شياطين الجن والإنس.
فمعنى الجِنَّة في الآية: جماعة الجن، قال تعالى: ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا﴾، وشيطان الإنس يريهم نفسه كالناصح المشفق، فيوقع في الصدور من كلامه الذي أخرجه مخرج النصيحة ما يوقع الشيطان الجني بوسوسته.

وقدَّم (الجِنّة) على (الناس) هنا؛ لأنهم أصل الوسواس؛ بخلاف تقديم الإنس على الجن في قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ﴾، لأن خبثاء الناس أشد مخالطة وأذى للأنبياء من الشياطين، فإن الله عصم أنبياءه من تسلط الشياطين على نفوسهم.

سورة الناس رُقية لمن يقرأها، إذ أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يقرأ سورة الفلق وسورة الناس ويرقي نفسه بهما، وقد ورد عن عائشة، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: “أنّه كان إذا اشتكى قرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث، كلما اشتدّ وجعه كنت أقرأ عليه، وأمسح عنه بيده، رجاء بركتها”، روى أبو داود في سننه من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ رضي الله عنه أنه قال: خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ، وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ، نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلـم لِيُصَلِّيَ لَنَا، فَأَدْرَكْنَاهُ، فَقَالَ: «أَصَلَّيْتُمْ؟» فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، فَقَالَ: «قُلْ»، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: «قُلْ»، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: «قُلْ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «قُلْ: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد ﴾، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ، حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ” .ومن فضل سورة الناس أن من يقرأها هي وسورة الفلق في ليلة فقد كَفَتاه؛ لأنّ فيها تعويذًا من شياطين الإنس والجنّ، ويُستحب قراءتها ثلاث مرات في الصباح وثلاث مرات في المساء، وقراءتها عند المرض، كما يُستحب تعويذ الأبناء بها، وتعويذ المسحورين.

ومن فضل سورة الناس أنّ فيها إثباتًا للربوبية، وألوهية الله تعالى وحده، وأنّ الملك له وحده.قال ابن القيم رحمه الله في كلامه على المعوِّذتين: «المقصود الكلام على هاتين السورتين وبيان عظيم منفعتهما، وشدة الحاجة بل الضرورة إليهما، وأنه لا يستغني عنهما أحد قط، وأن لهما تأثيرًا خاصًا في دفع السحر، والعين، وسائر الشرور، وأن حاجة العبد إلى الاستعانة بهاتين السورتين أعظم من حاجته إلى النفس، والطعام، والشراب، واللباس”.

سورة الناس مقصودها الاعتصام بالإله الحق من شر الخلق الباطن، واسمها دال على ذلك، لأن الإنسان مطبوع على الشر، وأكثر شره بالمكر والخداع، وأحسن من هذا أنها للاستعاذة من الشر الباطن وهو الوسوسة والتخيلات والتهيئات، فهي طريق النجاة من الشك وسبل الهلاك، عن طريق اللجوء إلى الله والاتكال عليه والإلتجاء إليه، مع الابتعاد عن كل موسوس ممضلل وعدم مخالطته والإنصات إليه إن كان من البشر، أما إن كان  من شياطين الجن فبذكر الله والاستعاذة من شرهم، قال تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾، فإن شيطان الجن يندفع بالاستعاذة بالله منه، ويكفيه ذلك؛ لأن كيد الشيطان كان ضعيفًا.