سنة سعيدة وكل عام وأنتم بألف خيب للدكتور محمد كنون حسني

سنة سعيدة وكل عام وأنتم بألف خيب للدكتور محمد كنون حسني

سنة سعيدة وكل عام وأنتم بألف خير

إن من آيات الله تعاقب الشهور والأعوام، وتوالي الأيام والليالي، وكل عام يمضي فلن يعود أبدا، فبالأمس ودّعنا عاما واستقبلنا اليوم عاما آخر، ودّعنا بالأمس عاما ماضيا شهيدا، واستقبلنا عاما مقبلا جديدا،، فليت شعري ماذا أودعنا في العام الماضي وماذا نستقبل في عامنا الجديد.

لقد طوي ملف العام السابع والثلاثين بعد الأربعمائة والألف من القرن الخامس عشر لهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، طوي بما كان فيه من عمل صالح أو آثم ، وجفت الصحف ورفعت الأقلام، والملائكة الكرام هم الكتاب والشهود على الأنام، فهنيئا لمن أحسن في العام الماضي واستقام، وقدم لنفسه ولأهله وبلده خيرا يسير فيه على نهج نبي الهدى صلى الله عليه وسلم، وليحاسب كل منا نفسه، وليتذكر ما قدمه، فإن كان خيرا حمد الله وشكره وإن كان شرا تاب إلى الله واستغفره.

لقد استقبلنا العام الهجري الذي اتفق الصحابة على جعله مبدأ لتاريخ الإسلام، وذلك لأنهم رأوا في الهجرة أعظم نصر وأسمى إنجاز، وميلادا جديدا للدين الذي أحيا عقولا سممتها الشكوك والشبهات، وأحل  أغلال أفكار قيدتها الأوهام والخرافات، كانت الهجرة وتمت ولابستها أحوال وأهوال وأخطار وقى الله نبيه شرها، وكان نصيره ومؤيده وحافظه، ” إلا تنصروه فقد ناصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في  الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا، فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم”. فكان من نتائج الهجرة أن أتم الله بها على المؤمنين نعمته وأكمل لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وكسر بها شوكة الباطل وفرق قوته ودخل الناس في دين الله أفواجا، وارتفعت كلمة الله وبدأ التشريع للمجتمع الإسلامي تتفجر ينابيعه وتضيء مصابيحه، وقامت دول المدينة الإسلامية في الشرق والغرب تعز ما أعزت كلمة الله وتوحدت نواياها، وتذل وتزول ما استهانت بالحق وتفرقت.

 والهجرة مثل رائع للثبات والصبر والتحمل وقوة الإيمان، فلقد قام الرسول بمكة يدعو الناس إلى الله، فأوذي وحورب وحوصر حتى أراد الله إظهار دينه فساق إليه نفرا من الأنصار من أهل المدينة فآمنوا ورجعوا إلى المدينة فدعوا قومهم إلى الإسلام، فلم تبق دار من دور الأنصار إلا ودخلها الإسلام، وهكذا هيأ الله لرسوله دار الهجرة.

وقبل الهجرة إلى المدينة هاجر المهاجرون الأوائل إلى الحبشة، ففي الوقت الذي اشتد فيه أذى الكفار لرسول الله ولمن أسلم وجهه لله أذن الرسول في الهجرة إلى الحبشة وقال: ((إن بها ملكا لا يظلم الناس عنده)) فهاجر من المسلمين اثنا عشر رجلا وأربع نسوة في مقدمتهم عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت رسول الله فأقاموا في الحبشة في أحسن جوار وتوالت الهجرة إلى الحبشة ثم إلى المدينة، فكان المهاجرون إلى المدينة يخرجون متسللين فقدموا على الأنصار في دورهم فآووهم ونصروهم ثم أذن الله لرسول الله في الهجرة فخرج من مكة يوم الاثنين في شهر صفر وله إذا ذاك ثلاث وخمسون سنة ومعه أبو بكر الصديق وعامر بن فهيرة، مولى أبي بكر، ودليلهم عبد الله بن الأريقط فدخل غار ثور هو وأبو بكر فأقاما فيه ثلاثا ثم أخذا على طريق الساحل فوصلا إلى المدينة يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول.

ولا يستطيع واصف أن يصف ذاك المشهد العظيم حين خرج أهل المدينة مهللين مكبرين فرحين بمقدم النبي الكريم وخرجت البنات فيما يرويه ابن هشام فرحات بمقدم النبي وهن ينشدن: نحن جوار من بني النجار يا حبذا محمد من جار.

لقد هاجر المسلمون إلى الحبشة وهاجر النبي إلى الطائف، ثم هاجر مع أحبابه إلى المدينة وهنالك أقيمت دولة الإسلام، وقد شاء الله أن تقوم دولة الإسلام بالهجرة، وأن يحفظ الإسلام التضحية بالمال والوطن والحياة في سبيل الدين، وبذلك يضمن المسلمون لأنفسهم المال والوطن والحياة.

من أجل هذا شرع مبدأ الهجرة في الإسلام ، فهي ليست هروبا من الأذى بل هي تبديل للمحنة ريثما يأتي الفرج والنصر، وها نحن نرى على مر التاريخ أن الهجرة كانت سبيلا للنصر والعزة، فهجرة النبي من مكة إلى المدينة بحسب الظاهر ترك للوطن وتضييع له لكنها كانت في الواقع حفاظا عليه وضمانة له، فقد عاد بعد بضع سنوات من هجرته عاد إلى وطنه الذي أخرج منه عزيز الجانب منصورا مظفرا من أجل كل ذلك أرخ المسلمون بالهجرة فلقد كانت نصرا وميلادا جديدا للإسلام.

فيجب على المسلمين إذ يستقبلون سنتهم الجديدة ويستحضرون ذكر تلك الهجرة ويقرءون أسبابها وآثارها، وأن الله بها أتم على المومنين نعمته وأكمل لهم دينهم الذي ارتضى لهم ، وبها كسر شوكة الباطل وفرق قوته، يجب أن يذكروا دائما أن الباطل مهما كثرت أعوانه وقويت شوكته لابد أن تنهار دعائمه فيبقى أمام الحق مغشيا عليه يملؤه الخزي وتعلوه الكآبة يتوارى من القوم من سوء مانزل به، تلك سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا، ويذكروا أن للانتصار الحق أسبابا وعوامل تتلخص في توحيد الكلمة في شجاعة وصبر وجلد وإيمان، وما انتصر أصحاب الهجرة، إلا لتوحيد كلمتهم وشجاعتهم وصبرهم، وقد كان لهم من كل ذلك الفتح والنصر، وأن يذكروا أن رجال الهجرة أودوا في سبيل الله وتوالت عليهم المحن والبلايا ولم يكن الإيذاء على شدته ليزيدهم إلا إيمانا وتثبيتا، يجب أن يذكر المسلمون كل هذا ثم يرجعوا إلى أنفسهم لينظروا أين هم من هؤلاء الذين شروا أنفسهم ابتغاء مرضاة الله، والذين أبوا على أنفسهم وعلى دينهم إلا الكرامة والعزة، ولينظروا أين هم من أوامر هذا الدين وأحكامه وآدابه  وأخلاقه، سيرى المسلمون أن الآية قد انعكست فيهم حيث آلوا إلى الاتكال والكسل وتركوا العمل والجد والصبر، فبالإيمان الصادق والإخلاص في العمل ارتفع شأن العرب والمسلمين، وبتوطين النفس على نصرة الدين والحق وتحمل كل المكروهات في سبيل ذلك  ساد الإسلام والمسلمون في شتى أقطار الأرض.

فيجب على الأمة التي ترغب في صلاح أمرها وإعادة عزها ومجدها أن تهاجر إلى الله ورسوله بترك المعاصي والإقبال على الطاعات وعمل الخير لنفع المسلمين، فقد أبقى لنا رسولنا الكريم حظنا من الهجرة وهو حظ لا ينقطع إلى يوم القيامة، أخرج البخاري مرفوعا ” المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هاجر ما نها الله عنه” فالنبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث يرينا أن الإسلام ينظر إلى ثمرة الهجرة قبل النظر إلى مظاهرها فظاهرها انتقال من مكان إلى مكان، وباعثها وثمرتها يتعلقان بالروح والنية الحسنة والقصد الجميل، وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى بقوله: ” إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه”

إن هذا الانتصار الرائع الذي حققه الرسول صلى الله عليه وسلم بسبب الهجرة يجب أن يكون منطلقا للمسلمين ومغزى وعبرة يربطون من خلاله الماضي بالحاضر، يحثون السير والخطى  ويتلمسون السبل والطرق التي سار عليها السلف الصالح، لعلنا نصل إلى الغاية المرجوة والهدف الأسمى الذي هو عز هذه الأمة ومجدها ووحدة صفها، وأن نحقق فينا قوله سبحانه وتعالى: ” ولله العزة ولرسوله والمومنين”.

نسأله سبحانه أن يهل هذه السنة باليمن والبركة على الأمة الإسلامية، وبالخير والسعادة والصحة والهناء على مولانا أمير المومنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله وعلى ولي عهده المحبوب مولاي الحسن، وعلى سائر أفراد أسرته الكريمة وعامة أبناء شعبه الوفي إنه سميع مجيب.