الحياة حرمة من حرمات الله للدكتور محمد التمسماني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله الأطهار ورضي الله عن الصحابة الأبرار والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن من مبادئ ديننا الحنيف: أن حق الحياة حق محفوظ لكل إنسان، وأن الدم حرمة من الحرمات الواجب تعظيمها والمحافظة عليها. قال تعالى:﴿ ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ﴾(الحج: 30) والحرمات هنا تعني على القول المشهور: ما يجب احترامه وحفظه من الحقوق والأشخاص والأزمنة والأماكن.
وتعظيمها: توفيتها حقها، وحفظها من الإضاعة، والتفريط والتهاون.
وإن أي انتهاك لحرمة الدم، أو التفريط فيها، هو من الفساد في الأرض. قال تعالى:﴿ والله لا يحب الفساد ﴾(البقرة: 205) وقال سبحانه:﴿ ولا تفسدوا في الارض بعد إصلاحها ﴾(الأعراف: 56) أي لا تفسدوا في الأرض بالشرك، واقتراف الذنب، والاعتداء على النفس بغير حق، بعد إصلاحها ببعثة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام. الذين كان الأمر بالإصلاح والحث عليه، والنهي عن الإفساد والتحذير منه، من أهم ما ورد في وصاياهم لقومهم وأتباعهم، ففي وصية صالح لقومه ثمود نجد في القرآن الكريم:﴿ فاذكروا آلاء الله، ولا تعثوا في الارض مفسدين ﴾( الأعراف : 74) وفي وصية شعيب لقومه مدين نجد : ﴿ فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ، ولا تفسدوا في الارض بعد إصلاحها، ذلكم خير لكم إن كنتم مومنين ﴾ ( الأعراف : 85)
ويقول سبحانه وتعالى مبيناً فظاعة هذا الذنب وبشاعته : ﴿ من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل انه من قتل نفساً بغير نفس ، أو فساد في الارض، فكأنما قتل الناس جميعاً ، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ﴾ ( المائدة : 32)
الإخوة والأخوات:
إذا كانت الحياة حرمة من حرمات الله، فإن حياة المؤمن أعظم حرمة عند الله. قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح، وهو يخاطب الكعبة المشرفة: ” ما أطيبك وأطيب ريحك! ما أعظمك وأعظم حرمتك! والذي نفسي بيده لحرمة المؤمن أعظم حرمة منك: ماله ودمه، وأن لا نظن به إلا خيراً “
إن المحافظة على حق الحياة العزيزة الكريمة بما يشمل المحافظة على الكرامة الإنسانية ، والابتعاد بها عن مواطن الإهانة ، ومنع من يريد الاعتداء على أي أمر يتعلق بها .هو من الأصول والكليات الخمسة القطعية التي اتفقت عليها الشرائع السماوية كلها ، بل هو من البدهيات التي لا ينبغي أن تختلف العقول فيها.
لذا اعتبر الشرع الحنيف الاعتداء عليها كبيرة عظمى ، وجريمة يستحق مقترفها الجزاء عليها بما يتلاءم مع جسامة جرمه وخطره .
قال تعالى : ﴿ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ﴾ (الأنعام : 151) . وقال : ﴿ ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها ، وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً﴾ ( النساء : 93)
ويقول عليه الصلاة والسلام : ” لزوال الدنيا أهون على الله من قتل امرئ مسلم بغير حق ” . ويقول في التنفير من مجرد التسبب في إلحاق الأذى : ” لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار “
الإخوة والأخوات :
إن الإخلال بأمن الناس جريمة عظمى رتب عليها الشرع حدوداً وعقوبات رادعة . فشرع حد القتل لمن يستبيح دماء الناس، وحد الحرابة لمن يتعرض لأمن الناس ، وشرع حد الزنا لمن يستبيح أعراضهم، وشرع حد السرقة لمن ينهب أموالهم، وكل ذلك حفاظاً على أمن الناس وحياتهم ومعاشهم.
إن كف الأذى عن الناس أكد عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ففي الحديث الصحيح ، قال عليه الصلاة والسلام :”إياكم والجلوس في الطرقات ” قالوا يا رسول الله مالنا من مجالسنا بد نتحدث فيها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه ” قـــــالوا وما حقه ؟ قال:” غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.
والأذى يتضمن كل ما يؤذي المسلمين من قول وعمل. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” والمؤمن من أمنه الناس…” ، والنص يوجب على كل مكلف الالتزام بهذا التوجيه ، فلا يؤذي أحدا ، ولا يعرض أرواح الناس للخطر ، وبناء على ذلك وجب التقيد بكل القوانين والتدابير التي تضمن سلامة المجتمع ،وقال صلى الله عليه وسلم : “من آذى المسلمين في طرقهم؛ وجبت عليه لعنتهم ”
و النصوص الواردة في كف الأذى متعددة وكثيرة ، وهي تشير بجلاء ووضوح إلى تنوع صور الأذى .
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ” المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه” متفق عليه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح : ” والإتيان بجمع التذكير للتغليب ، فإن المسلمات يدخلن في ذلك . وخص اللسان بالذكر لأنه المعبر عما في النفس ، وهكذا اليد لأن أكثر الأفعال بها ، والحديث عام بالنسبة إلى اللسان دون اليد ، لأن اللسان يمكنه القول في الماضين والموجودين والحادثين بعد ، بخلاف اليد ، نعم يمكن أن تشارك اللسان في ذلك بالكتابة ، وإن أثرها في ذلك لعظيم . ويستثنى من ذلك شرعا تعاطي الضرب باليد في إقامة الحدود والتعازير على المسلم المستحق لذلك. وفي التعبير باللسان دون القول نكتة، فيدخل فيه من أخرج لسانه على سبيل الاستهزاء. وفي ذكر اليد دون غيرها من الجوارح نكتة، فيدخل فيها اليد المعنوية كالاستيلاء على حق الغير بغير حق ”
.قال شراح الحديث: وذكر المسلمين هنا خرج مخرج الغالب ، وإلا فهو عام ، يؤيد ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث آخر: “والمؤمن من أمِنَه الناس على دمائهم وأموالهم “.
الإخوة والأخوات:
إن التوعية بحرمة الحياة، وبالأمن بأنواعه المختلفة، وما يتعلق بأمور النظام العام ضرورة ملحة. وهي أمور مؤصلة في الكتاب والسنة، ودرجت على ذكرها كتب الشريعة الإسلامية. فعلينا جميعا أن نتحمل مسؤوليتنا في التوجيه والإرشاد والتوعية.
ما أحوجنا إلى تفقد أحوالنا، ومسؤولياتنا الدينية والوطنية خاصة أننا نعيش مرحلة زمنية دقيقة، تعاني فيها البشرية من أوضاع حرجة. واعلموا عباد الله أن ما تنعمون فيه من أمن وسلام وطمأنينة واستقرار في هذا البلد العزيز لهو من أعظم نعم الله وأجلها عليكم، فحافظوا عليها.
اللهم احفظنا في أمننا ووحدتنا واستقرارنا، واهد من ضل إلى صراطك المستقيم.
آمين والحمد لله رب العالمين