
فرائض الغسل: للأستاذ أحمد احويط
اعتنت الشريعة الإسلامية بالطهارة والنظافة عناية شديدة، ويتجلى ذلك في ما جاءت به من منظومة القيم والمثل والتوجيهات التي تضمن للمسلم حياة ملؤها الفضيلة والطهارة الروحية والجسدية، وجعلت الطهارة شرطا من شروط الصلاة التي هي أعظم الفرائض والواجبات،كما جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم شطر الإيمان، وجعلها الله تعالى سببا في تكفير الذنوب، ومضاعفة الأجور، ولم يترك الإسلام مجالا إلا أمر المسلمين بالحفاظ على نظافة أجسامهم، وأمكنتهم وأثوابهم ليحصنهم بذلك ظاهرا وباطنا، وليوفر لهم الأمن والوقاية من الأمراض والأسقام، كما حثهم على الاستحمام والاغتسال حتى يبقوا على نظافة وطهارة دائمة.
ومن مظاهر الحرص على النظافة في الإسلام وجوب الاغتسال بعد الجماع والحيض والنفاس وغيرها من المواطن التي يلزم معها الغسل، فما هو الغسل ؟ وما هي مشروعيته ؟ وما هي فرائضه ؟.
1/ مفهوم الغسل:
الغسل لغة سيلان الماء على الشيء، وشرعا هو إفاضة الماء الطهور على جميع البدن على وجه مخصوص.
2/ مشروعيته:
الغسل مشروع بالكتاب والسنة.
قال الله تعالى: ” وإن كنتم جنبا فاطهروا “ سورة المائدة الآية.43.
ولقوله تعالى : ” ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن “ سورة البقرة الآية 222.
عن عائشة رضي الله عنها- قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه قبل إدخالهما في الإناء ثم غسل فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة ثم يشرب شعره الماء ثم يحثي رأسه ثلاث حثيات ثم يفيض الماء على سائر الجسد). رواه الإمام الترمذي وصححه.
3/ فراض الغسل:
النية |
فرائض الغسل |
تعميم سائر الجسد بالماء |
الفور |
الدلك |
تخليل الشعر |
1/ النية: وهي القصد الذي يطلب حضوره عند الشروع في الغسل. لقول الله عزوجل: ” وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين” سورة البينة الآية 5. ولحديث عمر – رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليم وسلم يقول ” إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى….” متفق عليه.
2/ الفور: وهو الموالاة بحيث يفعل الغسل كله دفعة واحدة عضوا بعد عضو إلى أن يفرغ، والتأخير اليسير مغتفر، والكثير إن فعله عامدا غير مضطر لذلك مبطل لما فعل، والطول هنا قدر ما تجف فيه الأعضاء المعتدلة في الزمان المعتدل. ودليل من أوجب الفور حديث خالد بن معدان – رضي الله عنه- عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة) رواه أحمد في المسند. وعن عائشة رضي الله عنها- (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة، بدأ يغسل يديه، ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيده، ثم يفيض الماء على جلده كله ” رواه الترمذي.
قال ابن عبد البر: هو أحسن حديث في ذلك.
3/ الدلك: وهو المشهور من مذهب الإمام مالك، أنه لا يجزئه الغسل حتى يتدلك، وهو إمرار اليد على العضو مع المرس والعرك الخفيف، والدلك لجميع البدن، فإن لم تصل يده لبعض جسده دلكه بخرقه أو حبل ونحوهما، أو استبان غيره على ذلك.
4/ تخليل الشعر: أي تخليل شعر الجسد سواء كان خفيفا أو كثيفا، لحديث عائشة رضي الله عنها- الذي تقدم ذكره في الفور وفيه: (…ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات …). قال ابن عبد البر- رحمه الله تعالى-
( وتخليل أصول الشعر يقتضي تخليل أصول الرأس واللحية) الاستذكار ج 1ص: 328.
تنبيه: لابد من تتبع الأماكن الخفية لاحتمال ترك لمعة فيها، وعدم استيعاب الغسل لها مثل طي الركبتين وتحت الإبط والأرفاغ وبين الأليتين والصرة وغيرها.
وإلى فرائض الغسل أشار عبد الواحد بن عاشر- رحمه الله تعالى- في (المرشد المعين) فقال:
(فصل) فروض الغسل قصد يحتضر **** فور، عموم الدلك، تخليل الشعر
فتابع الخفي مثـل الركــبتـيـن **** والإبــط، والرفغ، وبيـن الأليتين
وصل لما عسـر بالمـنديـــل **** ونحوه، كـالحـبـل و التـوكيـل