حق المسلم على المسلم خمس للدكتور محمد كنون الحسني

حق المسلم على المسلم خمس للدكتور محمد كنون الحسني

حق المسلم على المسلم خمس

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : “حق المسلم على المسلم خمس – أي خمس خصال -: رد السلام وعيادة المريض وإتباع الجنازة وإجابة الدعوة وتشميت العاطس”، المراد من هذه الحقوق والغرض منها استجلاب المودة ودفع النفرة وتآلف القلوب بين المسلمين.

رد السلام: السلام بين المسلمين داعية المحبة وآية الإخاء والألفة، ويدل لذلك ما في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم : “والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تومنوا ولا تومنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا أفعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم”، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ثلاث يصفين لك ود أخيك: تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له في المجالس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه، وقد أمر به القرءان في عدة مواضع وبين أنه تحية من عند الله مباركة طيبة،” فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً “، وكان تحية إبراهيم وضيفه المكرمين “إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ”، وهو شعار أهل الجنة:” وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ”، إن البداءة بالسلام سنة والرد واجب، فإن كان المسلم جماعة فهو سنة كفاية في حقهم إذا سلم واحد منهم حصلت سنة السلام في حق جميعهم، فإن كان المسلم عليه واحدا تعين عليه الرد وإن كانوا جماعة كان الرد واجب كفاية في حقهم فإذا رد واحد منهم سقط الحرج عن الباقين، لقوله عليه السلام إذا مر القوم فسلم أحدهم أجزا عنهم و إذا رد أحدهم كفى، وإذا دخل الإنسان بيتا ليس فيه أحد فليقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإن الملائكة ترد عليه السلام كما ورد، فإذا تكلم شخص قبل السلام فلا يجاب لقوله عليه السلام من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه، ويسلم المومن على الجماعة حين يدخل عليهم وحين يريد مفارقتهم لقوله عليه السلام: إذا أنتهى أحدكم إلى مجلس فليسلم فإن بدا له أن يجلس فليجلس، ثم إذا قام فليسلم فليست الأولى بأحق من الآخرة، زاد في رواية: ومن سلم على قوم حين يقوم عنهم كان شريكهم فيما خاضوا من الخير بعده، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من قال السلام عليكم كتبت له عشر حسنات، ومن قال السلام عليكم ورحمة الله كتبت له عشرون حسنة، ومن قال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كتبت له ثلاثون حسنة”، وأخرج أبو داوود والترمذي عن عمران بن حصير قال :” جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليكم فرد عليه ثم جلس فقال عليه السلام عشر، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله فرد عليه ثم جلس فقال عشرون، ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد عليه ثم جلس فقال ثلاثون”، زاد أبو داوود: ” ثم أتى ءاخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته فقال أربعون ثم قال هكذا تكون الفضائل”، وقال عليه السلام: ” إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام” وقال: “إذا مر الرجل بالقوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة لأنه ذكرهم السلام، وإن لم يردوا عليه رد عليه ملأ خير منهم وأطيب”، أو قال وأفضل، وعن ابن عباس قال: “السلام إسم من أسماء الله عظيم جعله ذمة أي أمانا بين خلقه فإذا سلم المسلم على المسلم فقد حرم عليه أن يذكره إلا بخير”،

عيادة أي زيارة المريض كيفما كان ولو وضيعا أو عبدا، والمعرفة والإسلام كافيان في إثبات هذا الحق ونيل فضله، فإذا عدم أحدهما سقط حق العيادة، ومن آداب العيادة أن لا يطيل الجلوس عند المريض لأنه قد يحتاج لضرورة أو استعمال دواء أو نحو ذلك، ففي الحديث ” من تمام العيادة خفة القيام من عند المريض وأن يقلل السؤال، ويظهر الرقة ويخلص الدعاء، وأن يوسع للمريض في الأجل، وأن يشير عليه بالصبر لما فيه من جزيل الأجر، ويحذره من الجزع لما فيه من الوزر”، وفي الصحيح كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل على مريض يدنوا منه ويجلس عند رأسه ويسأله عن حاله ويقول: “لا باس عليك طهور إن شاء الله”، وقد يضع يده على المكان الذي يألم ثم يقول: ” بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، الله يشفيك”، وفي البخاري عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى مريضا أو أتي به قال: “أذهب البأس رب الناس، أشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما”، وروى أبو داوود والترمذي عن ابن عباس مرفوعا: ” من دخل على مريض لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض”، وقد جاء في فضل عيادة المريض أحاديث كثيرة منها قوله عليه السلام: ” من عاد مريضا ناداه مناد من السماء طبت وطاب فمشاك وتبوأت من الجنة منزلا”، وقوله:” من توضأ فأحسن الوضوء وعاد أخاه المسلم محتسبا بوعد من جهنم سبعين خريفا”، قيل لراويه أنس ما الخريف؟ قال العام، وقوله: ” ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسى وإن عاده عشية صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح،  وكان له خريف في الجنة”، وينبغي لمن عاد مريضا أن يطلب منه الدعاء لما رواه ابن ماجة “إذا دخلت على مريض فمره يدعوا لك فإن دعاءه كدعاء الملائكة”، وروى الطبراني مرفوعا: “عودوا المرضى ومروهم فليدعوا لكم فإن دعوة المريض مستجابة وذنبه مغفور”، وأما آداب المريض فمنها الصبر على ما أبتلاه به ربه، ففي الحديث : ” من ابتلى فصبر وأعطى فشكر وظلم فغفر ثم سكت، فقالوا ماله يا رسول الله؟ قال أولئك لهم الأمن وهم مهتدون”، ومنها قلة الشكوى على جهة الضجر والجزع لعواده، ففي الحديث: ” إذا مرض العبد بعث الله له ملكين فيقول انظرا ماذا يقول عبده لعواده، وهو اعلم فإن هو إذ جاءوه حمد الله تعلى وأثنى عليه رفعا ذلك إلى الله وهو أعلم، فيقول لعبده على أن توفيته أن أدخله الجنة، وإن أنا شفيته أن أبدله لحما خيرا من لحمه ودما خيرا من دمه، وأن أكفر عنه سيئاته ومنها قلة الضجر”، أي القلق مهما استطاع وأما الأنين فقد ورد أن أنين المريض تسبيح، ومنها الفزع إلى الدعاء بأن يحسن الله عاقبته ويدفع عنه الثقل، ومنها التوكل بعد استعمال الدواء على خالق الداء والدواء، لأن استعمال الدواء لا يقدح في التوكل فيجب على كل مسلم أن يعتقد أن لا طبيب ولا شافي ولا مصحح على الإطلاق إلا الله وحده خلق الداء والدواء، فيتوكل عليه وينقطع إليه ويعتصم به ويلجأ في مرضه وصحته إليه ثقة به، فإن الله تعلى قد علم أيام المرض وأيام الصحة فلو حرص الخلق على تقليل ذلك أو زيادته لما قدروا، قال تعالى:” مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ “، ثم يتناول الدواء ويستعمله كما يستعمل جميع الأسباب بمجرد الأمر، فإن الله إن أوصله إلى الدواء برأ وإن حجبه بمانع يمنعه وقدر موته لم ينفعه، لكنه مأجور على ما أمر به على لسان رسوله، روى الترمذي عن أسامة بن شريك قال، قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى؟قال نعم يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء، إلا داء واحدا، قالوا وما هو؟قالالهرم”، وفي مسلم مرفوعا: ” إن لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برا بإذن الله”.

 “وإتباع الجنائز”، أي حضور جنازة المسلم والصلاة عليه وحضور دفنه، ففي الصحيحين مرفوعا: “من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا – أي لا نفاقا ولا رياء – وكان معها حتى يصلى عليها وتدفن فإنه يرجع من الأجر بقيرطين كل قيراط مثل جبل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع من الأجر بقيراط فقط”، وظاهر قوله: وكان معها، أن من سبق إلى المصلى أو إلى موضع الدفن لا يحصل له ذلك الأجر، وقوله: كل قيراط مثل جبل أحد، يحتمل أنه مثله في الثقل إذا وضع في كفة الميزان ويحتمل أن ثواب ذلك مثل لو كان هذا الجبل من ذهب وفضة وتصدق به، وأعظم بهذا الثواب المرتب على إظهار الاعتناء  بالمومن والشفاعة فيه، ولو لا أن الله تعالى أراد بعبده المومن خيرا إذا مات ما أذن للمومنين في الشفاعة فيه، كأنه تعالى يقول: “اشفعوا له فقد أذنت لكم في الشفاعة فيه”، وإذنه تعلى في ذلك دليل على أنه تعالى أراد أن يرحمه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من غسل ميتا فكتم عليه غفر الله له أربعين مرة”، وفي رواية: ” غفر الله له أربعين كبيرة، ومن حفر قبرا بنى الله له بيتا في الجنة” وفي رواية: ” ومن حفر قبرا أجرى الله له من الأجر كأجر مسكن أسكنه يوم القيامة”، وفي رواية: ” من غسل ميتا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ومن كفن ميتا كفاه الله من حلال الجنة”، وفي رواية: ” من غسل ميتا وكفنه وحنطه وحمله وصلى عليه ولم يفش عليه ما رأى خرج من خطيئته مثل ما ولدته أمه،ومن عزا مصابا كساه الله حلتين من حلل الجنة لاتقوم لهما في الدنيا، ومن اتبع جنازة حتى يقضي دفنها كتب الله له ثلاثة قراريط ، القيراط منها أعظم من جبل أحد”، وإذا كان هذا الثواب العظيم يترتب على الاعتناء بالمومن والدعاء له فأعظم بما يكرم الله به هذا الميت عند دعاء المومنين له، وإذا كان هذا الثواب العظيم لمن سعى في نفعه فانظر ماذا يترتب من العقاب لمن سعى في إذاية المومن، وفي رواية للبخاري: ” من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان”، قيل وما القيراطان قال مثل الجبلين العظيمين، وروى البزار عن ابن عباس مرفوعا: ” إن أول ما يجازى به العبد المومن بعد موته أن يغفر لجميع من تبع جنازته، وآداب تشييع الجنازة دوام الخشوع وترك الحديث وملاحظة الميت والاعتبار به، والتذكر في الموت والاستعداد له والمشي أمام الجنازة بقربها لأنه شفيع والشفيع يتقدم، ويدل له حديث ابن عمر كان عليه السلام يمشي بين يدي الجنازة وأبو بكر وعمر ، وقيل المشي خلفها أفضل لحديث البراء بن عازب “أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع الجنازة وكان على يمشي خلفها ويقول فضل الماشي خلفها على الماشي أمامها كفضل الصلاة المكتوبة على النافلة”، وأن أبا بكر وعمر كانا يعلمان ذلك ولكنهما يسهلان على الناس، وعن ابن عمر مثله والأمر في ذلك واسع.

“وإجابة الدعوة” أي من حق المسلم على المسلم إذا دعاه لوليمة أن يجيبه لقوله عليه السلام: ” من دعي فلم يجب فقد عصى الله ورسوله”، وفي الصحيحين مرفوعا: ” شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويترك المساكين ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله”، وفي رواية ” يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله”، وفي رواية لمسلم: ” إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك”، وفي رواية له أيضا: ” إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائما فليصل، أي فليدع لأهل البيت بالمغفرة والبركة، وإن كان مفطرا فليأكل”.

 “وتشميت العاطس”، التشميت هو أن يقول له من بقربه إذا سمعه عطس وقال الحمد لله: ” يرحمك الله”، فيجيبه العاطس بقوله: “غفر الله لنا ولكم”، فعن ابن مسعود كان عليه السلام يعلمنا يقول: إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله رب العالمين، فإذا قال ذلك فليقل من عنده يرحمك الله، فإذا قالوا ذلك فليقل يغفر الله لي ولكم، وروى أنه صلى الله عليه وسلم شمت عاطسا ولم يشمت عاطسا آخر فسأله فقال: إنه حمد الله وأنت سكت، وقال عليه السلام: ” إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه وإذا لم يحمد الله فلا تشمتوه”، وقال يشمت المسلم إذا عطس ثلاثا فإن زاد فهو زكام، وعن أبي هريرة كان صلى الله عليه وسلم إذا عطس غض صوته أي خففه واستتر بثوبه أو يده، وفي الصحيح مرفوعا: ” العطاس من الله والتثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه وليرده ما استطاع، فإذا قال آه آه فإن الشيطان يضحك من جوفه”.