مكانة المرأة في الإسلام بمناسبة اليوم العالمي للمرأة-2- للدكتور محمد كنون الحسني
مكانة المرأة في الإسلام بمناسبة اليوم العالمي للمرأة-2- للدكتور محمد كنون الحسني
مكانة المرأة في الإسلام
بمناسبة اليوم العالمي للمرأة-2-
تحدثنا في العدد الماضي عن بعض مظاهر تكريم الإسلام للمرأة، وكيف جعل الله سبحانه الرجال والنساء سواسي في الحقوق والواجبات، وفي التكليف والجزاء ، مما ترتب عنه مساواتهم أيضا في طلب العلم والتعلم، تعلم الكتاب والحكمة، تعلم الفروض والواجبات، تعلم ما يفيدهن في دينهم ودنياهم فالحق سبحانه وتعالى يقول: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) فلم يقل: الرجال الذين يعلمون والذين لا يعلمون، فالخطاب هنا مطلق ينطبق على الذكر والأنثى، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم أهله ويأمر المسلمين بتعليم أبنائهم وبناتهم، وقد روت زوجاته رضوان الله عليهن أحاديث كثيرة، وفي الحديث: (أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها … الخ) ، فكيف يجوز بعد قراءة هذا أن يمنعن من العلم بما عليهن من الواجبات لربهن وأزواجهن ولأولادهن وللأمة جمعاء، العلم الإجمالي المبين لما يجب فعله لمنفعته وما يجب تركه لمضرته، والعلم التفصيلي الضروري لرعاية الأسرة وتربية النشإ ومسايرة التطور الإنساني، فكيف يمكن للمرأة أن تؤدي واجبها وتطلب حقوقها وهي جاهلة بهما، بل كيف يمكن لأمة أن تتطور وتتقدم ونصفها جاهل بما يجب عليه لربه ولنفسه ولأهله، وبما يجب أن يساير به أسس التقدم والتحرر. إن ما يجب على المرأة أن تتعلمه من عقائد دينها وفرائض عبادتها معلوم محدود، لكن ما يجب عليها أن تتعلمه من أجل تربية أبنائها وتعليم صغارها ومساهمتها في البناء وتجديد المجتمع الإسلامي كثير متشعب يتطور بتطور الأزمان ويتغير بتغير الأحوال والظروف، فبالأمس كانت تكتفي بتعليم أبنائها الكتابة والقراءة وتحرص على تحفيظهم آيات من كتاب الله، أما اليوم فقد أضحى من الواجب عليها أن تعلمهم بالإضافة إلى ذلك تشغيل الحاسوب والبحث في الانترنيت وتراقب المواقع التي يفتحونها وتختار لهم البرامج التي يستفيدون منها، وبالأمس كان تمريض المرضى ومداواة الجرحى يسيرا على النساء في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وعصر الخلفاء، أما اليوم فقد أضحى متوقفا على تعلم فنون متعددة وتربية خاصة تقتضي معرفة أكثر من لغة ومعرفة أنواع الأدوية وكيفية مراقبة الحرارة وموضع ضرب الإبر.
ومن مظاهر المساواة بين الرجل والمرأة : المساواة في العمل والكسب، فالإسلام يستهدف تحقيق منهجه الكامل لا لحساب الرجال ولا لحساب النساء، ولكن لحساب المجتمع والإنسانية، ولحساب العدل والإنصاف، ولحساب الكد والاجتهاد، فقد قال تعالى: ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ) أي في الأمور الدينية وكذا الدنيوية ( للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن )[1] أي كل له جزاء على عمله بحسبه، إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا، لا فرق بين رجل وامرأة، من عمل منهم عملا يجازى عليه بحسب ما أنجز وقدم لا بحسب جنسه وطبيعته، وكم من الأعمال تنجزها النساء بوجه من الإبداع والإتقان أفضل بكثير مما يبدعه الرجال، فكيف يعقل في هذه الحالة أن يكون جزاؤهن أقل من جزاء الرجال.
ومن مظاهر المساواة أيضا : المساواة في الحقوق الزوجية يقول تعالى : ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم )[2]، فهذه الآية الكريمة قاعدة كلية ناطقة بأن المرأة مساوية للرجل في جميع الحقوق، لها من الحقوق والواجبات مثل ما على الرجل في المعاشرة والمعاملة وما يجري عليه عرف الناس وما هو تابع لشرائعهم وآدابهم وعاداتهم، فهذه الآية تقيد معاملة الرجل لزوجته وتضع لها ميزانا واحدا في جميع الشؤون والأحوال، فإذا طالبها بشيء يجب عليه أن يعلم أنه يجب عليه مثله إزاءها، لهذا قال ابن عباس: ” إنني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي لهذه الآية ” وهنا لا بد أن نقف على قوله تعالى: ( وللرجال عليهن درجة ) وقولــه في آية أخرى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)[3] لندحض تلك الآراء التي تتخذ من هاتين الآيتين ذريعة للحكم على دونية المرأة وللحكم على الإسلام بأنه وضع المرأة في مكان دون مكانة الرجل وقيمته، فبالنسبة للآية الأولى : ( وللرجال عليهن درجة ) فقد اختلف المفسرون في المراد بتلك الدرجة المستثناة وذهبوا في ذلك مذاهب شتى أهمهما :
- الجهاد المفروض على الرجال دون النساء .
- النفقة والصداق الواجبان على الرجل دون المرأة .
- الطلاق والرجعة اللذان بيد الرجل .
- مظاهر البنية الطبيعية كالقوة البدنية واللحية والصوت الخشن .
والناظر في هذه الأمور جميعها وفي غيرها من التفسيرات والتأويلات لا يجد تفضيلا ولا تحقيرا بل يجد تكليفا للرجل بأمور لا يستطيع القيام بها إلا هو، ولا تناسب إلا تكوينه وخلقته، فإذا كان الجهاد قد فرض على الرجل دون المرأة فلبنيته وتكوينه وقساوته وقوة تحمله، ولرقة المرأة ورهافة حسها وحفاظا على جمالها وانسيابها مع معاني الرحمة والحنان والحب فلم يأمرها الشرع بإزهاق الأرواح واقتحام الصعاب، وإذا كان الشرع قد أمر الرجل بمنح المرأة صداقا قبل الزواج وقيامه بشؤونها بعده فذلك من تشريفه لها وتكليف له، وتعظيم لها وتسخير له، وإذا كان الشرع قد جعل الطلاق والرجعة بيد الرجل فلتكوين المرأة المرهف وطبيعتها المتقلبة وسيطرة العاطفة عليها، ولكون الرجل أحرص من غيره على استمرار الحياة الزوجية وتمكنه من السيطرة على نفسه والتحكم في عاطفته.
أما الآية الثانية وهي قوله تعالى: ( الرجال قوامون على النساء ….) فمعناها القيام بأمرهن والتكليف برعايتهن والسعي من أجلهن وخدمتهن، أي كل ما تفرضه القوامة من تكليفات وخدمات، فالأمر هنا من بال التكليف وليس من التشريف والتفضيل، وقوامة الرجل على المرأة تأتي من سببين :
- قوته وتكوينه الفطري وقدرته على تحمل المشاق التي لا تتحملها المرأة، وكونه متوازي الأحوال مستعد للعمل في كل الأوقات لا يعتريه حيض ولا نفاس مما يغير حاله ويضعف قوته.
- تكليفه بالنفقة والكسب ورعاية شؤون العائلة .
فالحياة الزوجية حياة اجتماعية ولا بد لكل اجتماع من رئيس، لأن المجتمعين لابد أن تختلف آراؤهم ورغباتهم في بعض الأمور، ولا تقوم مصلحتهم إلا إذا كان لهم رئيس يرجع إليه في الخلاف، لئلا يعمل كل على ضد الآخر، فتنفصم عروة الوحدة الجامعة ويختل النظام. وإذا كلف الرجل بالرياسة فلأنه أقدر على التنفيذ بقوته وماله، ومن ثم كان هو المطالب شرعا بحماية المرأة والنفقة عليها، ومعنى هذا أن الرجل يفقد هذه الأحقية متى أصبح عاجزا عن التسيير أو فاقد أهلية حسن التدبير.