ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها للدكتور محمد كنون الحسني

ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها للدكتور محمد كنون الحسني

ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها


يقول الله تعالى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ). فقد سبق القرآن العلماء للإشارة إلى هذه الحقيقة العلمية فأكد لنا القرآن أن الأرض كانت ذات يوم غير صالحة للحياة فأصلحها الله (وجدت الأرض منذ  4.6 بليون سنة ، وبدأت بها الحياة قبل 3 بليون سنة) وأمرنا ألا نفسد فيها وأن ندعو الله ليجنبنا شر الكوارث. وقد عقدت مؤتمرات دولية علمية وسياسية أكدت أن الإنسان هو المسؤول عن الإفساد في البر والبحر، يقول تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
فلَقَد خَلَقَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ بِرَحمَتِهِ الأَرضَ وَأَصلَحَهَا، وَخَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فِيهَا وَسَخَّرَهُ لِلإِنسَانِ لِيَنتَفِعَ بِهِ وَيَتَمَتَّعَ، ثم يَتَفَرَّغَ لما خُلِقَ لَهُ مِن عَبَادَةِ رَبِّهِ وَذِكرِهِ وَشُكرِهِ، مُمتَثِلاً أَمرَهُ مُجتَنِبًا نَهيَهُ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ :”أَلم تَرَوا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا في الأَرضِ وَأَسبَغَ عَلَيكُم نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً” لَكِنَّهُ أفسدها وأفسد فيها، فحرم نفسه من الخيراتِ المُودعةِ فِيها، وَذَلِكَ لما حاد عن الصراطِ، واقترف المعاصي واجترح السيئات، فأنزل الله عليه العقوبَات بما صَنَعَ، وَظهَرَ الفَسَادُ في البَرِّ وَالبَحرِ، وَتَغَيّرَ الجَوُّ وَاختل توازن الطبيعة، قَالَ الله سُبحَانَهُ: ” ظَهَرَ الفَسَادُ في البَرِّ وَالبَحرِ بِمَا كَسَبَت أَيدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ ” وَهكذَا لا تُرفَعُ الرَّحمَةُ وَلا تُنزَعُ البركةُ ، وَلا يَقِلُّ الخَيرُ وَلا يَكثُرُ الشَّرُّ ، إِلاَّ بِالفَسَادِ في الأرضِ وَاتِّبَاعِ الأهواءِ وَالتَّنَكُرِ للحقِّ ، وَكلُّ فسادٍ معنويٍّ فلا بدَّ أَن يَتبعهُ فسادٌ حِسِيٌّ، والله ـ تعالى ـ للظالمينَ بالمرصادِ ، قال ـ سبحانه ـ : ” أَلم تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ. إِرَمَ ذَاتِ العِمَادِ. الَّتِي لم يُخلَقْ مِثلُهَا في البِلادِ. وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخرَ بِالوَادِ. وَفِرعَونَ ذِي الأَوتَادِ. الَّذِينَ طَغَوا في البِلادِ. فَأَكثَرُوا فِيهَا الفَسَادَ. فَصَبَّ عَلَيهِم رَبُّكَ سَوطَ عَذَابٍ. إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرصَادِ” وَرَضِيَ اللهُ عَن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ ، فَقَد زُلزِلَتِ المَدِينَةُ في عَهدِهِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، مَا أَسرَعَ مَا أَحدَثتُم، لَئِن عَادَت لا أُسَاكِنُكُم فِيهَا.  لَقَد عَلِمَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ مَا حَدَثَ إِنَّمَا كَانَ بِإِحدَاثِ مَا لا يُرضي اللهَ، وبسبب الذنوبِ وَتَغَيُّرِ ما في القلوبِ، يقول تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ [وهي كل بلاء يحدث للناس] بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [فالمصيبة في صحتك ومالك وأوضاعك السياسية وغيرها من خلال ما زرعت] وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ* وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ [مهما كنت قوياً فلست أقوى من الله] وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}، فإذا أراد الله تعالى أن يعاقبك نتيجة عملك، فهل يستطيع أحد أن يدافع عنك أمام الله؟ على المؤمن أن يعتقد أن الله جعل لكل انحراف داءً، وجعل لكل داء دواءً؛ فالبلاءات تصنعها أيدي الإنسان، يقول تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً [وهذه تنطبق على كثير من دول العالم الإسلامي] مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ [فكنت ترى الرخاء والمصطافين والسوّاح] فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ [فلم يشكروا لنعمة، وشكر النعمة هو أن تعمل فيها بما يحبّه الله ويرضاه] فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ [الأزمات الاقتصادية] وَالْخَوْفِ [بسبب الحروب] بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}.

يقول الله ـ تعالى ـ : ” وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقُوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذنَاهُم بما كَانُوا يَكسِبُونَ ” وَأن الاستقامة تدر الرحمة قَالَ ـ تَعَالى ـ : ” وَأَنْ لَوِ استَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسقَينَاهُم مَاءً غدقًا ” والاستغفار يجلب الرخاء، قال نوحٌ لقومهِ:”فَقُلتُ استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا  يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَارًا . وَيُمدِدْكُم بِأَموَالٍ وَبَنِينَ وَيَجعَلْ لَكُم جَنَّاتٍ وَيَجعَلْ لَكُم أَنهَارًا ” وأنَّ الصلاح والنهي عن الفساد ينجي من العذاب قالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : ” فَلَولاَ كَانَ مِنَ القُرُونِ مِن قَبلِكُم أُولُو بَقِيَّةٍ يَنهَونَ عَنِ الفَسَادِ في الأَرضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّن أَنجَينَا مِنهُم وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُترِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجرِمِينَ ” وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ :” وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهلِكَ القُرَى بِظُلمٍ وَأَهلُهَا مُصلِحُونَ  ”