
الماء والحياة في الإسلام للدكتور محمد كنون الحسني
الماء والحياة في الإسلام للدكتور محمد كنون الحسني
الماء والحياة في الإسلام
جاءت الشريعة الإسلامية بتعاليم تفيد ضرورة الحفاظ على الماء والحياة، وجعلت الواحد منهما ضروريا للآخر، إذ لا حياة بدون ماء، الإنسان في الحياة يحتاج إلى الماء، فإذا نضب أو انعدم توقفت الحياة وفسدت الأرض، وانتهى العمران. يقول الله عز وجل:” أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا “ الأنبياء. فقد لفت الحق سبحانه أنظارنا غلى هذه الحقيقة الكونية: السماء- الأرض- الرتق – الماء- الحياة، في تحد كبير للعقل البشري الذي لا ينتبه الى هذه الأمور. قد يصبر الإنسان عن الطعام لأيام وأسابيع، ولكنه لا يقدر على ذلك لساعات قلائل دون ماء، لأن تركيبة جسم الإنسان، وجميع المخلوقات قائمة على الماء، ومن حكمة الله تعالى في خلقه أن جعل هذا الماء – المادة الحيوية للإنسان- جعله في متناوله وقريبا منه، وأقدره على تحصيله وأمكنه من الوصول إليه من أجل المحافظة على حياته وإكرامه به. فجعله مستقرا في أرضه، وأسكنه فيها كما أسكن خلقه عليها. يقول سبحانه وتعالى: “وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون” المومنون. فنعمة وجود الماء جاريا على سطح الأرض في الجداول والأنهار والعيون والثلوج أو في باطنها في الآبار والجيوب الجوفية كل ذلك إكراما لهذا الإنسان لتستقر وتنعم به حياته، ويضمن به عيشه واستقراره. فهو قريب منه، وفي مكان آمن، فمتى طلبه وجده، وإن على السطح أو في باطن الأرض. فلو ظل الماء كله على السطح للحقه الاجتفاف، فينقص مقداره ويختل التوازن البيئي الذي أقام الله تعالى عليه كونه “وأنزلنا من السماء ماء بقدر” أي بحساب وبمقدار يضمن الحياة على وجه أرضه لجميع مخلوقاته. فلا إفراط فيه حتى يغمر الأرض كلها، ولا تفريط فيه حتى نعود في حاجة ماسة إليه. وأشار الحق سبحانه إلى هذه المادة يقوم بتخزينها والحفاظ عليها في جوف الأرض ولو أراد الإنسان أن يقوم بهذا التخزين لما استطاع، ولكن الله تعالى كفاه ذلك زيادة في العطاء، وزيادة في النعمة . يقول الله تعالى:”وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ” الحجر. فقدرة الله تعالى على التخزين والمحافظة على هذه الثروة الحيوية المهمة التي تقوم عليها حياة الخلائق لمما يدل على عظمة صنعه وعظيم قدرته في تسخير هذا الكون ومكوناته بعجائبه لفائدة هذا الإنسان الذي كرمه ونعمه. قال تعالى: “ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا” الإسراء.
لكن ما بال هذا الإنسان الذي لم يستوعب هذه الفضائل وهذه النعم المسخرة له وهو ماض في إفساد ما جاء من الله صالحا، غير عابئ بما أنيط به من مهام ومن تكاليف وواجبات في الإصلاح والبناء الحضاري لهذه الأمة التي أرادها ربنا أن تكون خير الأمم. وقال عز وجل:” ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها” الأعراف، وقال سبحانه مخبرا عن نفسه أنه لا يحب الفساد. وإذا تولى يسعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد” البقرة. ومن مظاهر الفساد الذي نهينا عنه ” الإسراف” المضر الذي ينتج عنه تدمير وتخريب للنعم، ومساس وإضرار بالناس أجمعين، يقول الله عز وجل:” يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ” الأعراف.
الإسراف هو الزيادة عن الحد المطلوب شرعا، وهو فعل مذموم في شريعة الإسلام، فكل شيء زاد عم حده انقلب إلى ضده. والمطلوب منا التوسط والترشيد في استعمال هذه الثروات والحفاظ عليها ما أمكن لأنها ملك لنا اليوم وعلينا أن نحافظ عليها لمن سيأتي بعدنا، ويكفي المسرفين قبحا أن الله تعالى لا مهم بقوله والله لا يحب الفساد وقوله: والله لا يحب المسرفين.
وقد حض رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته، ومن خلالهم أمته جمعاء على عدم الإسراف، وفي الماء على الخصوص فقد أوصى بالقصد في استعماله، وعدم إهداره، حتى ولو تعلق الأمر باستعمال هذا الماء من أجل إقامة عبادة من العبادات كالوضوء للصلاة مثلا. روى سيدنا عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال له: ما هذا الإسراف؟ فقال: أفي الوضوء إسراف يا رسول الله، فقال: نعم وإن كنت على نهر جار. فقد دعاه صلى الله عليه وسلم ليقتصد في وضوئه ويقلل من استعمال الماء حتى ولو كان يتوضأ من نهر جار. وهو كلام موجه لأمته جمعاء لنعمل بهذا التوجيه ذي المقاصد الشرعية الهامة. فما بالنا نحن الذين نغتسل ونتوضأ من حنفيات فقط وصنابير، وقد أقيمت عيلها عدادات لضبط هذا السرف وهذا الإخلال، والأداء عنه في آخر الشهر ولا ننصاع لهذه التوجيهات ولا ننضبط لها.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يلزم نفسه وأهله بما كان يدعو الناس إليه. نعث عبد الله بن زيد أنه توضأ صلى الله عليه وسلم بثلثي مد من ماء. أي ما مقداره نصف لتر، لأن المد من الماء يساوي لترا ونصف لتر.
وما ذلك إلا لأن الماء من الثروات الطبيعية المشتركة بين الناس جميعا، فلا يحق لأحد أن يستولي عليه بمفرده ويمنع منه الآخرين، لأن ذلك مدعاة لنشأة النزاعات والحروب رغم أن 4/3 من الكرة الأرضية كلها ماء. ولكن التبذير والإسراف وسوء الاستعمال يؤدي إلى الخلل والنقصان. وورد في سنن أبي داوود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء وفي الكلأ وفي النار. وورد في معناها أنها تعطى لطالبها أو المحتاج إليها ولا يمنع منها.
واتخذ الإسلام من الإجراءات الوقائية التي تكفل سلامة معتنقيه من الإصابات الملوثة والضارة. فأوصى بضرورة تغطية أواني الماء والطعام لحمايتها مما قد ينزل بها. عن جابر رضي الله عنه ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “غطوا الإناء وأوكوا السقاء وأغلقوا السقاء فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء” رواه مسلم. والمعنى احرصوا على تغطية أواني الماء والطعام حفاظا على السلامة والصحة. ونهى صلى الله عليه وسلم عن النفخ في الطعام أو الشراب ليحميه من نفس شاربه ورائحة فمه. والاستعمالات القرآنية لكلمة ماء تفيد على أنه نعمة من الله عز وجل لخلقه، يجب أن يحافظوا عليها، وإن لم يفعلوا فسيتضررون لعدم قدرتهم على طلبه واستحضاره. قال عز وجل”قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ” الملك.
إن الماء ثروة مهمة ملا تقوم الحياة إلا به، فهو أساسي في غذاء الإنسان والحيوان والنبات وكل شيء. قال عز وجل:” هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ، يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ “ النحل.
فبالماء ينبث الزرع الذي منه الغذاء الغداء والطعام الأساسي للمياه، وبالماء تنمو الأشجار وتتوفر الغلات والفواكه التي يقتات منها الإنسان، وتحمي به الطبيعة من العواصف والرياح ومن التصحر. وقد تنبه سكان العالم مؤخرا على وقع هذه الأخطار، ودعت الأمم المتحدة إلى الوقوف في وجهها للحد من آثارها على هذا الكون الذي نتقاسم فيه جميعا الحياة على ظهره.