أحكام الأضحية وسنن العيد للدكتور محمد كنون الحسني

أحكام الأضحية وسنن العيد للدكتور محمد كنون الحسني

أحكام الأضحية وسنن العيد

 

ومن أجل أيام العشر أيضا يوم عيد الأضحى الذي هو يوم  الحج الأكبر ، حض فيه النبي صلى الله عليه وسلم على الأضحية لمن وجد سعة، وقدر عليها، وقصد صاحبها اتباع السنة. فللمضحي بكل شعرة من شعراتها حسنة إذا أخلص نيته لله وقصد بذبحها التقرب إليه، وهي من شعائر الإسلام ومن سنن نبينا إبراهيم عليه السلام، ففي الحديث قيل يارسول الله: ما هذه الأضاحي؟ قال: سنة أبيكم إبراهيم، قالوا: ما لنا فيها؟ قال: بكل شعرة حسنة، قالوا: فالصوف؟ قال: بكل صوفة حسنة، وعنه أيضا صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” من ضحى طيبة نفسه محتسبا لأضحيته كانت له حجابا من النار”.

فالأضحية سنة مرغب فيها لمن قدر عليها وقربة من القربات، وجل الناس يعتقدون فرضيتها بل فوق الفروض المحتمة حتى أوقعوا أنفسهم في الضيق والحرج الذي لم يجعله الله تعالى في شريعة رسولنا صلى الله عليه وسلم، فترى الإنسان يقتحم المشاق والحرج الشديد في تحصيل هذه السنة بنحو السؤال والدين، فيكثر المتسولون الراغبون في شراء أضحية العيد، ويتعدد الباحثون عن السلف والدين لنفس الغرض، وربما ارتكبوا ما فيه محذور من أمور ديننا كالاستدانة بالربا ونحو ذلك، وهم في ارتكاب هذا كله يعتقدون أنهم يتقربون إلى الله، وفي الحقيقة يتقربون إلى أنفسهم  وأهليهم، فالسنة والقربة لا تكونا إلا بالحلال وصفاء المعاملات، وبدون تضييق على النفس والأهل والأولاد، واستعمال الإخلاص الذي هو روح الأعمال وتصحيح العبادات، وقد قال مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من كسب مالا حراما لم يقبل الله منه صدقة ولا عتقا ولا حجا ولا عمرة، وكان له بعدده أوزارا ، وما بقي منه كان زاده إلى النار” . وقد علق صلى الله عليه وسلم أمر الأضحية على  السعة والإمكان فقال: ” من وجد سعة ولم يضح فلا يحضر مصلانا  ” فالضعيف الذي لامال له لشراء الأضحية  ليس عليه شيء، إذ لايجوز أن يبيع الإنسان من حوائجه الضروريات ويسعى في تحصيل ثمن الأضحية من أوجه محرمة أو مكروهة، فقد ضحى رسول الله صلى اله عليه وسلم عن ضعفاء أمته، فمن لم يجد سعة وعجز عن الأضحية فالثواب حاصل له من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسب نيابته، فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين فقرب أحدهما فقال: ” اللهم منك ولك، اللهم هذا عن محمد وآل بيته”، ثم قرب الآخر فقال: ” بسم الله اللهم هذا منك ولك، اللهم هذا عن من وحدك من أمتي” .

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد رفع الحرج على الضعفاء والمساكين فناب عنهم في أضحيتهم وضمن لهم الثواب والأجر، فإنه نبه الذين لا يقومون بهذه السنة مع قدرتهم عليها بتنبيه دقيق وإشارة موحية بالزجر والتقريع، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ” من وجد سعة ولم يضح فلا يحضر مصلانا” وهي كلمة يقال نظيرها في الأسر والمجتمعات كثيرا، ويكون قذف الشخص بها عنوانا على أنه أتى أمرا قبيحا جعله غير أهل لمشاركة إخوانه فيما هم قائمون به من أعمال نافعة طيبة، ويجتمعون لأجله من خير وبر، أما في موضوعنا فإن المقرر أن صلاة العيد سنة من سنن الرسول، والضحايا سنة نبي الله إبراهيم، وكلتا السنتين من مظاهر التحبب إلى الله في ذلك اليوم، وهما شعيرتا اليوم لغير الحاج، فالتارك للأضحية مع يسر وسعة رزق إما بخيل والبخيل بغيض إلى الله، وإما مستهين بالسنة مستهتر بمناسك دينه مستخف بالشعيرة، فصلاته العيد ألصق بالرياء وأقرب إلى النفاق،  وقد أصبح البعض يفضل السفر إلى الخارج أو شراء اللحم الجاهز ، استهتارا بسنة نبي الله وتكبرا عن التقرب إلى الله في هذا اليوم المبارك.

فاحرصوا إخواني على فعل هذه السنة الكربمة، وتأهبوا لإقامة صلاة العيد بالمصلى في وقتها وعلى سنتها وهيئتها، مكبرين بتكبير الإمام فيها وفي خطبتها وفي طريقكم إلى المصلى وما دمتم جالسين في مصلاكم قبل خروج الإمام، واحرصوا على الذهاب للمصلى العام فإن صلاة العيد في غير المصلى من غير ضرورة داعية بدعة مكروهة، لأن في خروج المسلمين إلى المصلى إظهار لشعيرة الإسلام وزينته، فتزينوا بلبس الجديد من الثياب، واغتسلوا استحباب ومسوا الطيب، وأخروا الفطر إلى أن ترجعوا من المصلى ومن صبر حتى يكون أول أكله من كبد أضحيته فهوا أفضل ، لما رواه أصحاب السنن عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر يوم الفطر قبل أن يغدوا إلى المصلى، وكان لا يطعم يوم النحر حتى يصلي وينحر، فيأكل من كبد أضحيته.

  • وقد أمر صلى الله عليه وسلم الذابح بحد شفرته والرفق بذبيحته، كما أمر من ذبح قبل الصلاة وذبح الإمام بإعادة أضحيته.
  • ومن السنة أن يذبح الإنسان الأضحية بيده، وإن عجز ينيب عنه من يقوم بذبحها مع حضوره على ذلك.
  • وكلوا من أضاحيكم وتصدقوا منها على الفقراء والمحتاجين، واحذروا بيع جلودها أو شيء منها فإنه حرام بالإجماع، ففي الحديث: ” من باع جلد أضحيته فلا أضحية له”، وعنه صلى الله عليه وسلم أيضا: ” لا تبيعوا لحوم الهدي والأضاحي واستمتعوا بجلودها ولا تبيعوها” .
  • وكبرا الله ثلاث تكبيرات إثر خمس عشرة فريضة من ظهر يوم العيد إلى صبح يوم الرابع.
  • واحرصوا إخواني المسلمين على نظافتكم ونظافة حيكم وأزقتكم ، فليس من الإسلام ما نشاهده من أوساخ وأوحال بالطرق والساحات، وما يرمى به من الأزبال والقاذورات في الممرات والشوارع، فلنحرص جميعا على جمع الأزبال في الأكياس وتسليمها للمشرفين على جمعها، ولنعمل على نظافة بيئتنا من كل ما يضر بها، ونظافة محيطنا من كل ما يشوه به، ولنكن أحرص الناس على التحلي بالمظهر اللائق بالإسلام والمسلمين من نظافة وسماحة ونصح وتصافح، وعيدكم مبارك سعيد.