الثوابت الدينية والوطنية العقيدة الأشعرية – المذهب المالكي – التصوف السني – إمارة المؤمنين 1/5 للدكتور محمد كنون الحسني

الثوابت الدينية والوطنية العقيدة الأشعرية – المذهب المالكي – التصوف السني – إمارة المؤمنين 1/5 للدكتور محمد كنون الحسني

الثوابت الدينية والوطنية

العقيدة الأشعرية – المذهب المالكي – التصوف السني

– إمارة المؤمنين

1/5

إن من مقاصد الدين وغايات الشريعة ترسيخ الانسجام الروحي والائتلاف الفكري ومنع الشقاق والنزاع والشذوذ. ولهذا ضبط العلماء أمر الخلاف العلمي فميزوا بين الكليات القطعية التي ليست محل اختلاف عند جميع المسلمين وبين ما يحتمل الخلاف بسبب ظنية النصوص وبسبب اختلاف الزمان والمكان بناء على اجتهادات المجتهدين. أما الشق الأول فهو أصول الشريعة وأحكامها الكلية التي يتفق عليها المسلمون ولا يجوز التوقف فيها لأنها من المعلوم من الدين بالضرورة. وأما الشق الثاني فهو مجال لاختلاف العلماء المجتهدين، وبناء عليه ظهرت المذاهب الفكرية والفقهية عند المسلمين منذ زمن التابعين.

ولئلا يكون هذا الخلاف سببا للتنازع بين عامة المسلمين، اختار كل قطر من أقطار البلاد الإسلامية – بعد ضبط الأصول العامة والأحكام الكلية التي هي محل إجماع – منهجا في الاختيار يجتمع فيه أهل البلد الواحد على مذهب واحد، حفظا للوحدة واتقاء لفتنة عامة المسلمين بسبب إدخالهم في قضايا الخلاف العلمي الذي هو من اختصاص العلماء. وعمل العلماء أيضا على التمييز بين ما هو مذهب جمهور المسلمين وبين ما هو مذهب قلة من المسلمين وما هو مذهب الشواذ.

ومن جهة العمل نص العلماء على وجوب التزام مذهب البلد، خاصة في الأمور العامة التي يجتمع عليها الناس مثل الجماعات والجمعات، والزكوات، وأهلة الصيام والإفطار، والأعياد، والأحكام والأقضية، وأحكام الأسرة والبيوع والمعاملات ونحوها من الأمور العامة التعبدية والمدنية، وأن الفتوى من اختصاص علماء البلد، وأن المفتي يجب أن يكون بلديا.

ومن أجل إعمال ذلك كله وضمان سير هذه الأحكام، نص العلماء أيضا على وجوب التزام النظام في كل بلد وطاعة حكامه، ومنع جميع أنواع الشذوذ ، حتى ينتظم أمر الناس وتستقيم شؤونهم من خلال مؤسسات الدولة وأنظمة الحكم وطرق تدبير الشأن العام المعتمدة في البلد. فبذلك كله يكتمل بناء الدين في البلد بحفظ الضروريات الخمس وهي الدين، والنفس، والمال، والعقل، والنسل أو العرض، ويتيسر للناس قضاء الحاجيات وطلب التكميليات بعد حفظ الضرورات. ومن هنا تجتمع الاختيارات الدينية والوطنية، وتأتلف الأحكام الشرعية العامة الكلية بالأحكام الخاصة التي يراعى فيها الزمان والمكان والأعراف.

وبناء على ما سبق فإن للبلاد المغربية اختياراته الدينية والوطنية اتفق عليها علماؤه وحكامه ورسخت عبر العصور، من خلالها يتم تدبير شأن الأمة المغربية، وحفظ عقيدتها وممارسة شعائرها وعباداتها، وضمان وحدتها واستقرارها. وتجتمع هذه الاختيارات في العقيدة، والمذهب الفقهي، والسلوك التربوي، وإمارة المؤمنين، ومحبة الوطن ووحدته الترابية.    

وأصل هذه الاختيارات أن الدين يقوم على عقائد إيمانية، وشعائر تعبدية، وقواعد السلوك والمعاملة،  وكل العلوم الإسلامية إنما تقصد خدمة هذه الأصول الثلاثة. ولهذا فإن ضبط هذه الأصول شرط ضروري لضمان أمن البلاد الديني والروحي، لما يتحقق به من وحدة الأفكار والمشاعر والتوجهات، والوقاية من ضرر الاختلاف المذهبي وفتنة التمزق العقدي.

فمن خلال العقيدة الأشعرية التزم المغاربة عقيدة أهل السنة والجماعة، وفي ضوء الفقه المالكي مارسوا شعائرهم التعبدية، وعلى التصوف السني نهجوا مناهج السلوك والتربية والتزكية. وكانت إمارة المؤمنين الساهر الأمين والحارس المتين لهذه الاختيارات والضامن لأمن الأمة المغربية ووحدة صفها.

                                    يتبع