
الثوابت الدينية والوطنية 3/5 – المذهب المالكي مذهب وسطي مقاصدي للدكتور محمد كنون الحسني
الثوابت الدينية والوطنية 3/5 – المذهب المالكي مذهب وسطي مقاصدي للدكتور محمد كنون الحسني
الثوابت الدينية والوطنية 3/5
– المذهب المالكي مذهب وسطي مقاصدي
1- أهمية الالتزام بالمذهب الواحد؟
سبقت الإشارة إلى أن التزام المغاربة بالعقيدة الأشعرية وما ينتج عن الاختلاف في العقيدة من شرور كالفرقة والتشرذم والتكفير والاقتتال … والأمر نفسه نقوله عن الالتزام بوحدة المذهب، فبالإضافة إلى خصائص ومميزات المذهب المالكي، التي تجذب عقول العقلاء لاتباعه، فإن وحدة المذهب الفقهي تجنب الأمة المهالك ذاتها، علما أن مما يزيد من حدة التوتر المرتقب في الأمة كون عدد من العبادات تؤدى جماعة، فيرغب كل مخالف في حمل الناس على ما هو عليه، الأمر الذي تنتج عنه الفتن وكثرة البدع والمخالفات الشرعية.
لقد عُرف المغرب بوفائه لمذهب الإمام مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي ، إمام دار الهجرة(ت 179هـ) رحمه الله تعالى، وفاء جعله يَعُد اختياره لهذا المذهب ثابتا من ثوابته الدينية التي حظيت بإجماع الأمة منذ دولة الأدارسة، فصار الالتزام به عهدا يتوارثه الأبناء عن الآباء والأجداد علماء وعامة.
لقد اختار المغاربة المذهب السني المالكي، واستقرت عليه ثقافته الدينية نظرا لما يتميز به من الخصائص والمميزات ، من حيث جمعه بين منطوق النصوص ومقاصدها الخاصة والعامة ، ورعاية مصالح الناس المتنوعة ، وثراء أصوله وقواعده ، وتنوع مدارسه ، وعلو كعب أتباعه من العلماء الراسخين في الاجتهاد والفتوى ، إلى جانب رسوخ إمامه في العلم واتساعه في الفضل وسلوكه مسالك التقوى والورع ، وثناء العلماء عليه . قال الإمام النووي :» أجمعت طوائف العلماء على إمامة مالك وجلالته، وعظيم سيادته وتبجيله وتوقيره، والإذعان له في الحفظ والتثبت، وتعظيم حديث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه”.
وبناء عليه أصبح الاختيار التاريخي للمغاربة؛ لأن المذهب المالكي يعد من ثوابت المغرب التي قام عليها وجوده الإسلامي، واستقرت عليها ثقافته الدينية، وهو مذهب سني قائم على الجمع بين النقل ورعاية المصالح، غني بأصوله وقواعده، راسخ بمدارسه ورجاله، عميق باجتهاده وآرائه وفتاويه، وقد اختاره المغاربة لخصائصه الفذة، ورسوخ إمامه في الفقه والورع وأنه إمام دار الهجرة ووارث علم أهل المدينة.
وهو عند التأمل في حججه حقيقة عرفية في ما انتهى إلى الإمام مالك من عمل أهل المدينة المتوارث عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه المدنيين المرجوع إليهم في الفصل في تصرفات المكلفين.
2- خصائص المذهب المالكي:
يتميز المذهب المالكي بخصائص ومميزات تجعله قادرا على استيعاب التطورات ومواكبة المستجدات في مختلف مناحي الحياة ومجالاتها. ومن أبرز هذه الخصائص والمميزات:
Ø السعة والمرونة: فالفقه المالكي واسع بأصوله وقواعده الصالحة لكل زمان ومكان، مَرن بمنهج تنزيل فروعه على مواقعها.
Ø التوسط والاعتدال: فالفقه المالكي مبني في أصوله وأحكامه على الاعتدال والأخذ بالوسط، من غير إفراط ولا تفريط.
Ø الواقعية: المعروف عن الإمام مالك رحمه الله أنه ما كان يفتي إلا فيما هو واقع من النوازل والحوادث، فانْطَبَعَ الفقه المالكي بالواقعية، وربط أحكامه بواقع الناس ومشاكلهم وشؤون حياتهم، وصرف النظر عن الافتراضات والتخيلات.
Ø المزاوجة بين الأثر والرأي: يتميز المذهب المالكي بجمعه بين المنقول والمعقول، وجمع بين النص والرواية، مع الاستنباط والدراية.
Ø كثرة مدارسه وتنوعها وتكاملها: تأسس المذهب المالكي في المدينة المنورة، فكانت هذه هي المدرسة الأم، ثم تفرعت عنها مدارس بمصر والعراق والقيروان والمغرب والأندلس.
Ø كثرة قواعده: يتميز المذهب المالكي بكثرة قواعده الفقهية، وإحكام صياغتها، وقد جمع المقري في كتابه “القواعد” أزيد من ألف ومائتي قاعدة.
Ø سعة أصوله وعمقها: يقوم الفقه المالكي على أصول اعتمدها مالك رحمه الله في استنباطه واجتهاده، وهناك من أوصلها إلى العشرين أصلا، منها المشترك بين المذاهب الأخرى، ومنها ما اشتهر بكثرة إعماله لها وتعويله عليها، وهي أصول واسعة عميقة يستطيع الفقهاء بواسطتها أن يستوعبوا التطورات والمستجدات في مختلف مجالات الحياة.
3- أشهر مصادر المذهب المالكي :
– الموطأ وشروحه.
– المدونة.
– الرسالة لابن أبي زيد القيرواني وشروحها.
– ” البيان والتحصيل ” لابن رشد الجد .
– ” الذخيرة ” لشهاب الدين القرافي.
– ” مختصر خليل ” وشروحه.