الثوابت الدينية والوطنية 4/5 للدكتور محمد كنون الحسني

الثوابت الدينية والوطنية 4/5 للدكتور محمد كنون الحسني

    الثوابت الدينية والوطنية 4/5.

  -التصوف السني، منهج نبوي في التربية والتزكية:

ثابت مبني على أدلة الكتاب والسنة، منهج يُمَكِّنُ من التَّرَقِّي في منازل سير العبد إلى ربه، ويُفَعِّل ُالعلم بِتَوْظيفِه فيما جُعِل له مِن تزكيةِ قلبه؛ ذلكم المنهج الذي تَنَاوَشَتْهُ سِهامُ السلفية المعاصرة اعتقادا منها ملازمته للبدع جملة وتفصيلا؛ جهلا منهم بأصالة منشئه، وسلامة أصوله وقواعده، وذلك لأجل أنه عارض وطارئ نتيجة تَفَشِّي الجهل الذي هو معدن كل انحراف، شأن التصوف في ذلك شأن العقيدة والفقه اللذين شَابَهُما أيضا ماخَدَشَ رَوْنَقَهُما مِن صور الانحراف.

 وحقيقة التصوف كما عرفه العلماء هو: علم يعرف به كيفية تصفية الباطن من كدرات النفس؛ أي عيوبها. وبتعبير آخر: هو علم يعرف بالله تعالى وبحقوقه على عباده، ويعين على سلوك الطريق الأسلم والأرشد للقيام بهذه الحقوق وحمل النفس على الالتزام بها والتأدب مع الله تعالى وحسن التعامل مع خلقه. وللتصوف أهمية بالغة في حياة المسلم، إذ هدفه النبيل هو تربية القلب ومجاهدة النفس على الخروج بها من مقام الإيمان إلى مقام الإحسان، وذلك بملازمة الطاعة والبعد عن المعصية.

وقد اصطفاه المغاربة عنصرا أساسيا في ثوابتهم المتوارثة لتعظيم جناب خالقهم، وإظهار الافتقار إلى بارئهم، والاعتراف بالعجز عن أداء حق سيدهم، والوجل أنه منتهون بحكمه إلى نهايتهم والعزم على تطهير نفوسهم، وتهذيب سلوكهم وضبط علاقاتهم بغيرهم بفعل الأوامر واجتناب النواهي، والتنافس في مجالات الإحسان القولية والفعلية على طريقة الإمام الجنيد بن محمد البغدادي المتوفى سنة( 297هـ) إمام طرائق التربية، ومهذب الجوانب الروحية وعمدة المدارس التزكوية وقدوة أئمتها بلا نزاع.

وقد جلى المغاربة هذا الثابت في التقيد بواجبات الدين والتسليم لأحكام سيد المرسلين، والتنافس في أنواع المبرات والتزام اللمنتقى من طيب الأذكار وصادق الدعوات ونوافل الصلوات ومبارك الصدقات وصنوف القربات المجملة بإظهار شواهد الإخلاص في محبة مقام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي يجددونه كل سنة بالاحتفال بالمولد النبوي الذي اعتادوا على إقامته مظهرا شعبيا منذ أيام العزفيين السبتيين للتعريف بسيرته، والتذكير بشمائله، وخصائصه، والتعريف بدلائله ومعجزاته، والتنويه بما ظهر من الآيات الباهرة في مولده. ومنها تقدير أهل الفضل واحترامهم والاقتداء بهم والدعاء لهم لأداء واجب شكرهم على خدماتهم، والثناء عليهم على نفعهم وعطائهم، والترحم عليهم مقابل آثارهم بما يوجب رفع درجاتهم، وإعلاء مقاماتهم، وذكر مناقبهم، ومواقفهم، وطاعاتهم موضع الاقتداء من تصرفاتهم المجملة للدين والمزينة لتنزيله في نظر الأخرين.

إن للتربية أثارا مهمة وعظيمة على القلوب والنفوس، فهي وحدها الكفيلة بعد الإيمان بالله تعالى بالارتقاء بالعباد، وبتهذيب مشاعرهم، وتقوية أسباب المحبة بينهم حيث تعمل على جلب المنافع الآتية:

  1. التخلية والتحلية:

المراد بهما مجاهدة النفس على التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل. ومن أصول الفضائل: الإخلاص، والصدق، والأمانة، والتقوى، والاستقامة، والعفة، والصبر، والرحمة.

ومن أصول الرذائل: الكذب، والخيانة، والحقد، والحسد، والبخل، وحب الدنيا، والعجب، والكبر.

  1. المواظبة على الفرائض والواجبات:

وهي باب من أبواب التحلية، فالمدخل إلى التحلي بالفضائل هو الالتزام بفعل الفرائض والواجبات والمواظبة عليها وعدم الانقطاع عنها، فذلك ينبوع الفضائل ومفتاح الخيرات.

  1. ترويض النفس على نوافل الطاعات: فالتصوف معانٍ ذوقية أساسها الاجتهاد في الطاعات، والتنزل في المقامات، وتخلية الباطن من شهوات النفس وحظوظ الشيطان، حتى يصبح القلب مُهيّئا لتلقي أنوار القرب والمحبة الإلهية. وهي إشارات ومواهب يتلقاها السالك في سيره، تكون له دافعا على مواصلة التقرب، وزيادة في التعلق بجناب المولى عز وجل، لما يجده من الأنس به، والتلذذ بمناجاته، ذلك أن العبادات مواضع قرب، ومواطن تلقٍ للأفضال الإلهية.