آداب الدعاء وأحكامه للدكتور محمد كنون الحسني

 

                           آداب الدعاء وأحكامه

 

يقول الله سبحانه وتعالى في محكم آياته :
(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين).
 وقال عز من قائل (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )
وروى الترمذي في سننه  عن (أَنَس بْن مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَة).
 الدعاء عبادة ، بل مخ العبادة ، ففي سنن الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ). والدعاء سلاح المؤمن، وهو سلاح قوي  يصيب ولا يخطئ ولا يخيب، فبه نجى الله نوحًا عليه السلام فأغرق قومه بالطوفان،ونجى الله به موسى عليه السلام من الطاغية فرعون، ونجى الله به صالحًا وأهلك ثمود، وأذل عادًا وأظهر هودَ عليه السلام، وأعز به رسوله  سيدنا محمدًا  صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة.
فالدعاء سلاح حارب به رسول الله وأصحابه أعتى قوتين في ذلك الوقت: قوة الفرس، وقوة الروم، فانقلبوا صاغرين مبهورين،  ولا يزال ذلكم السلاح هو سيف الصالحين المخبتين مع تعاقب الأزمان وتغير الأحوال.
فهل شفي أيوب عليه السلام بعد بلاء لبث به ثمانية عشر عاماً حتى رفضه القريب و البعيد … هل شفي إلا بدعاء، قال تعالى 🙁 وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)
وهل سخرت الريح لسليمان عليه السلام إلا لما دعا ربه، قال تعالى :” قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ).
وهل رزق زكرياء عليه الصلاة و السلام بيحيى بعد أن بلغ من الكبر عتيا إلا بدعاء ؟ قال تعالى : ( هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ).
فالدعاء شأنه عظيم .. فكم من عقيم حملت بسبب الدعاء، وكم من مريض شفي بسبب الدعاء، وكم من مظلوم انتصر بسبب الدعاء، والله عز وجل أمر عباده بدعائه، وأخبر أن الذين يستكبرون عن دعائه  بأنهم  سيدخلون جهنم، وحث الله عز وجل عباده على دعائه   فقال تعالى : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ).
والدعاء من أعظم العبادات, وفيه يتجلى الإخلاص والخشوع، ويظهر صدق الإيمان، وتتمحص القلوب، وهو المقياس الحقيقي للتوحيد.
 ومن أعظم مايجب أن يعرفه المومن أن للدعاء المستجاب شروط يجب أن يعرفها المومن ويتقيد بها وأهمها:

  1. حسن الإسلام والإيمان، الاخلاص لله في العبادة، والتوجه الصادق إليه، قال تعالي ( فادعو الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون).
  2. طيبُ المطعم، والملبس قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث؛ أغبر، يمد يده إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام؛ ومشربه حرام؛ وملبسه حرام؛ وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له).
  3. التوبة ورد المظالم.
  4. الثقة بالله واليقين بالاجابة، قال صلي الله عليه وسلم ( ادعو الله وانتم موقنون بالاجابة ) .
  5. أن لا يسأل إلا الله لقوله صلي الله عليه وسلم ( إذا سألت فأسال الله واذا استعنت فاستعن بالله )
  6. حضور القلب، والخشوع والرغبة والرهبة فيما عند الله من الثواب، والرهبة مما عنده من العقاب، قال تعالي: (ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين)، فأحضر قلبك مع الدعاء ، وتدبَّر معاني ما تقول، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما تقدم: (واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلبٍ غافل لاه).
  7. العزم والجزم، والجد في الدعاء لقوله صلي الله عليه وسلم ( إذا دعا أحدكم فليعزم في الدعاء و لايقل اللهم إن شئت أعطني فإن الله لايتعاظمه شيء أعطاه ).

 
وكما أن للدعاء شروط فإن له آداب لابد من مراعاتها منها:

  1. أن يترصد لدعائه الأوقات الشريفة كيوم عرفة من السنة، ورمضان من الشهور، ويوم الجمعة من الأسبوع، ووقت السحر من ساعات الليل، وبين الآذان والإقامة وغيرها. روى الترمذي وأبو داود وأحمد (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الدُّعَاءُ لاَ يُرَدُّ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ”، وفي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: “إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا خَيْرًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ “، وروى مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:« يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ”،.
  2. أن يغتنم الأحوال الشريفة مثل عند نزول الغيث، وعند إفطار الصائم، وحالة السجود، وفي حال السفر.  فقد أخرج مسلم في صحيحه  عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم قَالَ  « أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاء”، وأخرج الترمذي وحسنه  عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم: ” ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالإِمَامُ الْعَادِلُ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ”.  .
  3. ان يبدأ دعاءه بحمد الله ثم يصلي على الرسول صلي الله عليه وسلم ثم يسأل الله بأسمائه الحسني وصفاته العلى فيسأل من خيري الدنيا والاخرة ماشاء، لما في سنن ابي داود مرفوعا ( إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ثم ليصل علي النبي صلي الله عليه وسلم – ثم ليدع بعد ماشاء)، ولحديث أنس رضي الله عنه مرفوعا ( كل دعاء محجوب حتى يصلي على النبي صلي الله عليه وسلم ).وقد راي صلي الله عليه وسلم رجل يصلي فمجد الله وحمده ثم صلى علي النبي صلي الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم ( أيها المصلي ادع تجب وسل تعط )) .
  4. الدعاء في الرخاء والشدة لقوله صلي الله عليه وسلم ( من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء ).
  5. ان يتضرع الي الله في دعائه، قال تعالي ( فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون).
  6. ان يتوسل إلى الله تعالي بأنواع الوسائل المشروعة، لقوله تعالي (( وابتغوا اليه الوسيلة ) والوسيلة هي القربة فالمعني تقربوا اليه بطاعته والعمل بما يرضيه . ومن ذلك الدعاء بصالح الاعمال .
  7. الاعتراف بالذنب والنعمة حال الدعاء كما في حديث سيد الاستغفار، مما رواه البخاري “اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.

من قالها من النهار موقنًا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل و هو موقنًا بها فمات قبل أن يصبح فهومن أهل الجنة(.

  1. استقبال القبلة لأنه عليه الصلاة والسلام خرج يستسقي فدعا واستسقي ثم استقبل فقلب رداءه.
  2. الوضوء قبل الدعاء ان تيسر
  3. رفع اليدين بالدعاء لان الله يستحي ان يرد يدي عبده اذا رفعهما اليه صفرا .

فإذا جاء الداعي بشروط الدعاء واستمر عليه فإنّ ثمرة هذا الدعاء ستكون مضمونة بإذن الله، فسيحصل على الخير وينال منه ما يريد، فإذن دُعاء المُسلم لا يُهمل بل يعطى إليه عاجلًا أو آجلًا، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلمٍ يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ، ولا قطيعةُ رَحِمٍ ؛ إلا أعطاه بها إحدى ثلاثَ : إما أن يُعجِّلَ له دعوتَه ، وإما أن يدَّخِرَها له في الآخرةِ ، وإما أن يَصرِف عنه من السُّوءِ مثلَها. قالوا: إذًا نُكثِرُ. قال : اللهُ أكثرُ).
وكما أمر سبحانه وتعالى بالدعاء ورغب فيه، وجعله مفتاحا للخيرات والمبرات، فقد حذر الله سبحانه وتعالى ونهى عن الاعتداء في الدعاء فقال عز من قائل : (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )
فكل دعاء  لا يحبه سبحانه ولا يرضاه هو اعتداء،  ومن ذلك:

  1. أن يسأل اللهالمعونة على الحرام، فقد روى مسلم في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « لاَ يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ”. قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الاِسْتِعْجَالُ قَالَ: يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِى فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ”، ويدخل في هذا أن يسأل ما فيه ظلم لغيره، ومن ذلك الاعتداء على المؤمنين باللعنة والخزي؛ لأن اللعنة دعاء أن يطرد الله فلاناً من رحمة الله، أو أن يفقره، أو يصيبه بمرض أو أذى….،  
  2. ومن الاعتداء في الدعاءتحجير رحمة الله وتضييقها، ففي صحيح البخاري (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فِي صَلاَةٍ وَقُمْنَا مَعَهُ ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ وَهْوَ فِي الصَّلاَةِ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا ، وَلاَ تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا . فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ لِلأَعْرَابِيِّ « لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا » . يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ . )
  3. ومن الاعتداء في الدعاء: الدعاء على النفس وعلى الأولاد، وعلى الأهل وعلى الأموال، ففي صحيح مسلم  قال صلى الله عليه وسلم:”لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ بِخَيْرٍ فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ ».  وفي صحيح مسلم (لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ لاَ تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ ».  
  4. ومن الاعتداء الدعاء على النفس بالموت لضر نزل به، ولذلك نهينا عنه، فقد روى البخاري في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ”.  
  5. ومنها سؤال الله تعالى ما يناقض حكمته، أو الدعاء بمحال، أو الدعاء بما لا مطمع فيه كالخلود في الدنيا، أو الدعاء بما يناقض علمه تعالى كعدم إقامة الساعة، كل ذلك من الاعتداء في الدعاء.
  6. ومن ذلك  أن يقول اللهم اغفر لي إن شئت، ففي صحيح البخاري عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  “إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ ، وَلاَ يَقُولَنَّ اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي .فَإِنَّهُ لاَ مُسْتَكْرِهَ لَهُ “.