بمناسبة عيد الأضحى المبارك للدكتور محمد كنون الحسني

بمناسبة عيد الأضحى المبارك للدكتور محمد كنون الحسني

 

بمناسبة عيد الأضحى المبارك

إن عيد الأضحى يوم عظيم في الإسلام أعلى الله قدره وعظمه وشرفه وكرمه وجعله يوم الحج الأكبر والموسم الأنور ، يتقرب فيه العباد إلى ربهم فيه بالأضحية التي هي  سنة نبي الله  إبراهيم الخليل عليه السلام  الذي كان ينسك المناسك لله ويقرب القرابين ابتغاء وجه مولاه، وقد أمرنا سبحانه باتباع ملته المرضية وشرعته الحنيفية فقال في كتابه الكريم :” قل إنني هداني ربي إلى  صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين “

وقد بين لنا نبينا صلى الله عليه وسلم تلك الأسوة فكان لنا في ذلك خير قدوة أخرج الإمام أحمد عن زيد بن أرقم قال: قلت أو قالوا لرسول الله ما هذه الأضاحي؟ قال سنة أبيكم إبراهيم، قالوا ما لنا منها ؟ قال بكل شعرة حسنة، قالوا فالصوف؟ قال بكل صوفة حسنة, وفي هذا الحديث إشارة لحادثة إبراهيم عليه السلام فعلى هذا تكون الأضحية ذكرى لأعظم طاعة واكبر امتحان، ذكرى لحادثة الصبر والوفاء والتفاني في طاعة الرب سبحانه.

 فقد دعا إبراهيم ربه فقال: رب هب لي من الصالحين أي هب لي ولدا صالحا فطلب من الله  ما تقر به العين ويكون ثمرة الفؤاد ومحل الأمل والرجاء، حتى إذا أجاب الله الدعاء قال تعالى: “فبشرناه بغلام حليم ” فلما بشر به قال هو إذا لله ذبيح، فلما ولد وبلغ معه السعي، أي بلغ أن ينصرف معه ويعينه في عمله وأخذ بنفسه ورجاه لما كان يؤمل فيه من عبادة ربه وتعظيم حرماته، أمر في المنام  بذبحه وقيل له أوف  بنذري، ورؤيا الأنبياء حق، وذلك أنه رأى ليلة التروية كأن  قائلا يقول له: أن الله يأمرك بذبح ابنك هذا، فلما أصبح تروى في نفسه أي فكر من الصباح إلى الرواح أم من الله هذا الحلم أم من الشيطان، فمن تم سمي ذلك اليوم يوم التروية، فلما أمسى رأى في المنام ثانيا فلما أصبح عرف أن ذلك من الله، فسمي ذلك  اليوم يوم عرفة، فلما عزم على نحره سمي ذلك اليوم يوم النحر، فلما تيقن ذلك أخبر به ابنه فقال يابني: (إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى) أي من الرأي على وجه المساواة ولم يشاوره ليرجع إلى رأيه وإنما شاوره ليعلم ما عنده فيما نزل به من بلاء الله تعالى، وليعلم صبره على أمر الله وعزيمته على طاعته ويثبت قدمه ويصبره إن جزع، ويكتسب المثوبة بالانقياد لأمر الله قبل نزوله، قال: يا أبت افعل ما تومر، أي ما أمرك به ربك، وروى أن إبراهيم لما أمر بذلك قال لابنه يا بني خذ الحبل والسكين وانطلق إلى هذا الشعب لنحتطب، فلما خلا إبراهيم بابنه في الشعب أخبره بما أمره الله به، فقال: (افعل ما تومر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) أي على الذبح، فلما أسلما أي إنقياذا لأمر الله وخضعا، (وتله للجبين) : قال ابن عباس: أضجعه على جبينه على الأرض فلما فعل ذلك قال له ابنه: يا أبت أشدد رباطي كيلا أضطرب واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليها شيء من دمي وتراه أمي فتحزن، واشحد شفرتك وأسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون علي فإن الموت شديد، وإذا أتيت  أمي فاقرأ عليها السلام مني، وإن رأيت أن ترد قميصي على أمي فافعل فإنه عسى أن يكون أسلى لها عني، فقال إبراهيم: نعم العون أنت يا بني على أمر الله، ففعل إبراهيم ما أمره به ابنه ثم أقبل عليه ليقبله وهو يبكي وقد ربطه والابن يبكي ثم وضع السكين على حلقه فلم تحك شيئا، ثم أنه حدها مرتين أو ثلاثا بالحجر كل ذلك لا يستطيع أن يقطع  شيئا، فقال الابن عند ذلك يا  أبت كبني لوجهي فإنك إذا نظرت وجهي رحمتني وأدركتك رقة تحول بينك وبين أمر الله، وأنا لا انظر على الشفرة فأجزع منها، ففعل إبراهيم عليه السلام ذلك ثم وضع السكين على قفاه فانقلبت ونودي يا إبراهيم  قد صدقت الرؤيا، وهو قوله تعالى ” وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ” أي حققت ما أمرناك به في المنام من تسليم الولد للذبح، ( إنا كذلك نجزي المحسنين) فجزاه الله بإحسانه في طاعته بالعفو عن ذبح ولده، والمعنى إنا كما عفونا عن ذبح ولده كذلك نجزي المحسنين في طاعتنا  إن هذا لهو البلاء المبين، أي الاختيار الظاهر حيث اختبره بذبح ولده،(وفديناه بذبح عظيم) وهو الكبش الذي قربه هابيل فقبل منه وكان يرعى في الجنة أربعين خريفا حتى فدى به سيدنا إسماعيل، قال ابن عباس: لو تمت تلك الذبيحة لصارت سنة وذبح الناس أبناءهم ولكن من لطف الله بعباده أن جعل في الكبش فداءه، فصارت سنة في الأضاحي وروى أنه لما ذبحه قال جبريل الله أكبر الله أكبر فقال إسماعيل لا إله إلا الله والله أكبر، فقال إبراهيم الله أكبر ولله الحمد فبقي سنة، فما أعظم هذا البلاء وما أجل هذا الامتحان.

 إن قصة امتحان إبراهيم في ولده لمن أعظم وأروع قصص القرآن لمن تذكر واعتبر، فاذكروا هذه الطاعة عند أضحيتكم واذكروا هذه التقوى عسى أن تكون شعارا لكم في كل أعمالكم

فالأضحية سنة مرغب فيها لمن قدر عليها وقربة من القربات، وجل الناس يعتقدون فرضيتها بل فوق الفروض المحتمة حتى أوقعوا أنفسهم في الضيق والحرج الذي لم يجعله الله تعالى في شريعة رسولنا صلى الله عليه وسلم، فالمقرر في ديننا أن صلاة العيد سنة من سنن الرسول، والضحايا سنة نبي الله إبراهيم، وكلتا السنتين من مظاهر التحبب إلى الله في ذلك اليوم، وهما شعيرتا اليوم لغير الحاج، فالتارك للأضحية مع يسر وسعة رزق إما بخيل والبخيل بغيض إلى الله، وإما مستهين بالسنة مستهتر بمناسك دينه مستخف بالشعيرة، فصلاته العيد ألصق بالرياء وأقرب إلى النفاق،  وقد أصبح البعض يفضل السفر إلى الخارج أو شراء اللحم الجاهز ، استهتارا بسنة نبي الله وتكبرا عن التقرب إلى الله في هذا اليوم المبارك.

فاحرصوا إخواني على فعل هذه السنة الكريمة، وتأهبوا لإقامة صلاة العيد بالمصلى في وقتها وعلى سنتها وهيئتها، مكبرين بتكبير الإمام فيها وفي خطبتها وفي طريقكم إلى المصلى وما دمتم جالسين في مصلاكم قبل خروج الإمام، واحرصوا على الذهاب للمصلى العام فإن صلاة العيد في غير المصلى من غير ضرورة داعية بدعة مكروهة، وتزينوا بلبس الجديد من الثياب، واغتسلوا وتطيبوا، وأخروا الفطور إلى أن ترجعوا من المصلى، وقد أمر صلى الله عليه وسلم الذابح بحد شفرته والرفق بذبيحته، كما أمر من ذبح قبل الصلاة وذبح الإمام بإعادة أضحيته.

  • ومن السنة أن يذبح الإنسان الأضحية بيده، وإن عجز ينيب عنه من يقوم بذبحها مع حضوره على ذلك.
  • وكلوا من أضاحيكم وتصدقوا منها على الفقراء والمحتاجين، واحذروا بيع جلودها أو شيء منها فإنه حرام بالإجماع، ففي الحديث: ” من باع جلد أضحيته فلا أضحية له”، وعنه صلى الله عليه وسلم أيضا: ” لا تبيعوا لحوم الهدي والأضاحي واستمتعوا بجلودها ولا تبيعوها” .
  • وكبرا الله ثلاث تكبيرات إثر خمس عشرة فريضة من ظهر يوم العيد إلى صبح يوم الرابع.
  • واحرصوا إخواني المسلمين على نظافتكم ونظافة حيكم وأزقتكم ، فليس من الإسلام ما نشاهده من أوساخ وأوحال بالطرق والساحات، وما يرمى به من الأزبال والقاذورات في الممرات والشوارع، فلنحرص جميعا على جمع الأزبال في الأكياس وتسليمها للمشرفين على جمعها، ولنعمل على نظافة بيئتنا من كل ما يضر بها، ونظافة محيطنا من كل ما يشوه به، ولنكن أحرص الناس على التحلي بالمظهر اللائق بالإسلام والمسلمين من نظافة وسماحة ونصح وتصافح، وعيدكم مبارك سعيد.