العلم نور والجهل ظلمة، العلم يحيي الهمم ويرفع من شأن الأمم، لذلك وصف الله سبحانه وتعالى القرآن الذي هو منبع حياة لنفوس هذه الأمة، بأنه كتاب منير وضياء ونور، وشفاء لما في الصدور، ولما أراد الله سبحانه الخير لهذه الأمة بعث لها رسولا يعلمها الكتاب والحكمة وينقذها من الجهل والضلال، قال تعالى:” هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين” وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الرسالة وأدى الأمانة وأخرج الناس من الظلمات إلى النور ومن الجهل إلى العرفان، وحض على هداية الناس بما يدفع كل كريم إلى اختيار خطة الإرشاد والتعليم، أخرج البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه: “لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم”، وروى البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا حسد إلا في اثنين رجل أتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل أتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها” فأخبر النبي أنه لاينبغي لأحد أن يحسد أحدا ـ يعني حسد غبطة ـ ويتمنى مثل حاله من غير أن يتمنى زوال نعمة الله عنه إلا في واحدة من هاتين الخصلتين ، وهي الإحسان إلى الناس بعلمه أو بماله، وكفى بذلك ترغيبا للعاملين في تعليم الناس، وإرشادا لهذه الفئة سواء كانت مدرسة أو مسيرة أو مسؤولة من قريب أو بعيد عن التعليم إلى الاجتهاد والعمل والنصح من أجل بلوغ هذه المرتبة.
وفي هذه الأيام التي ينطلق فيها موسم دراسي جديد ويتجه أبناؤنا إلى معاهد العلم ومدارس التربية، لابد أن نذكر ببعض ما في ديننا الحنيف من وجوب الحرص على العلم والتعلم،فبدون العلم يظل المؤمن قاصرا عن إحسان العبادة لربه، وخدمة دينه ووطنه. ولقد فرض الله تعالى العلم والتعلم على كل مسلم ومسلمة، وجعله من مقاييس التفاضل بينهم، قال تعالى: ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)، ولما كانت المدرسة فضاء للتربية والتعليم، وفضاء الأخلاق والمعرفة، وفضاء للتنمية البشرية، كان لابد من الاعتناء بها وجعلها من أولويات الأولويات على جميع المستويات، ولابد من استحضارها في جميع المنتديات، فمن الواجب الديني والوطني والإنساني دعمها وتقويتها وتطوير أساليبها، والاعتناء برجالها وببناياتها وفضاءاتها، والتفاف جميع قوى المجتمع الحية حولها، لأن تقدم الأمم رهين بتقدم الدراسة وأساليب التعليم، ومبني على مستوى الخريجين والخريجات من مؤسسات التربية والتكوين. ثم إن مدارس العلم ومعاهده هي الدروع الواقية والحصون التي تحصن الأجيال والأمم بالعلم من أن تجرفهم التيارات الضالة والأفكار الهدامة والدعاوي الباطلة. وإذا عدنا إلى تاريخ الإسلام ورجاله وجدنا دعوات كثيرة ومواقف عديدة توحي بحرص هذه الأمة على العلم والتعلم، وببدل جهود كبيرة من أجل تحصين الأبناء مما قد يقودهم إلى الانحراف، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شأن تربية الأبناء: (لاعبه سبعا، وأدبه سبعا، وصاحبه سبعا، ثم اترك له الحبل على الغارب) وهنا إشارة إلى المراحل التي يحتاج فيها الأبناء لآبائهم ومعلميهم ومربيهم، وبقدر ما نختار لأبنائنا النخبة الصالحة من المعلمين والمؤدبين، بقدر ما تستقيم تربيتهم وسلوكهم، فالمعلم المربي هو المؤتمن على فلذات الأكباد، وهو أهل لكل عناية وتكريم.
ولقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الولد يولد على الفطرة السليمة القابلة للخير والتعلم والسير على النهج القويم، وتبقى مسؤولية الأباء والمدرسة والمجتمع في التوجيه السليم أو السيء، والتربية الحسنة أو القبيحة، والتعليم أو التجهيل، يقول صلى الله عليه وسلم: ( كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، فالتربية بأشكالها الدينية والوطنية والعلمية تشكل الوسيلة الأنجع لبناء شخصية الطفل وتهذيب سلوكه وترسيخ أسس دينه، وغرس القيم الجميلة في نفسه، وتربيتها على طاعة الله ورسوله، وحب الوطن والذود عنه، والتشبث بالمقدسات وتعميق الوعي بالسلوك المدني، والتربية على المواطنة وعلى كل الفضائل.وبما أن التربية ترتكز على العلم والمعرفة فهما اللذان يمثلان الوعاء الأساس لتنوير العقول والقلوب، والارتقاء بالقدرات والمؤهلات بما يخدم الفرد والمصالح العليا للوطن، وأساس شريعة الإسلام العلم، وأول آية نزلت من القرآن الكريم جاءت آمرة بطلب العلم، قال تعالى: ( إقرأ بسم ربك الذي خلق …).
وما دام الأولاد يولدون على الفطرة فهم مسؤولية الجميع وأمانة في عنق الكل، فالآباء إذا لم يوجهوا أبناءهم نحو مدارس العلم ومعاهده، وإذا لم يعملوا على تربية أبنائهم وتأديبهم وتعليمهم مبادئ الإسلام وأسسه،فقد أخلوا بالأمانة، وكل مسؤول لم يعمل على نشر العلم والمعرفة وتطوير المناهج والبرامج وتقريب المدرسة من الأبناء فقد أخل بالأمانة، سواء كان في مبنى الوزارة أو مكتب النيابة أو على كرسي الإدراة بأي مؤسسة تعليمية، وكل منتخب أو مسير لم يجعل همه الأول بناء المدارس ومد الطرق وتسهيل المسالك لها فقد أخل بالأمانة، وكل مدرس أو معلم تهاون في العمل أو تغيب من غير سبب، أو فضل الأغراض الخاصة على مصلحة تلاميذه فقد أخل بالأمانة،وكل متاجر بأدوات وكتب الدراسة مضارب فيها متلاعب بأثمانها مثقل بها كاهل الضعفاء فقد أخل بالأمانة، وكل من لم يعمل على محاربة التيارات الضالة والأفكار الهدامة والأخلاق الباطلة بفكره أو قلمه أو سلطته فقد أخل بالأمانة، سواء كان أبا أو أما مسؤولا أو عالما أو مدرسا، وما أدراك ما الأمانة، إنها التي عرضها الحق سبحانه على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان لجهله وظلمه لنفسه. يقول سبحانه تعالى: ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا)، فإذا تحملنا جميعا المسؤولية وحرصنا على أداء الأمانة وتحلينا بالإخلاص للدين والوطن فسنربي النشأ تربية صالحة، ونسير بالتعليم نحو مدارج الرقي، ونسعد بأطر مؤهلة صالحة لتحمل المسؤولية.
إن نجاح المدرسة المغربية رهين بالإخلاص في العمل والشعور بالمسؤولية، وتكاثف جهود مختلف القوى، آباء وأمهات، مدرسين ومسؤولين، علماء وإعلاميين وحرص الجميع على بقاء التعليم واجبا دينيا ووطنيا مؤصلا.