السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة -1- للدكتور محمد كنون الحسني

السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة -1- للدكتور محمد كنون الحسني

 

  • السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة

    • -1-

أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة مرفوعا: ” سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه”.

 قوله سبعة: أي من الأشخاص ليدخل النساء فيما يمكن إدخالهن فيه شرعا، قوله: ” يظلهم الله في ظل عرشه”، ذلك المخلوق العظيم من جوهرة خضراء فوق السماوات لا يعلم قدر عظمته أحد غير الله عز وجل، دل على وجوده الكتاب والسنة والإجماع، وفي الحديث ما السماوات السبع والأرضون السبع بالنسبة إلى الكرسي إلا كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض، وما السماوات السبع والأرضون السبع والكرسي بالنسبة إلى العرش إلا كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض.

 قوله: ” يوم لا ظل إلا ظله”، ذلك اليوم هو اليوم الهائل العظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين يوم يجتمع فيه الأولون والآخرون في صعيد واحد يسمعهم فيه الداعي وينفدهم البصر، وتدنوا منهم الشمس حتى تكون منهم مقدار ميل ويكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، أخرج أحمد والطبراني عن أنس مرفوعا:” لم يلف ابن ادم شيئا منذ خلقه الله أشد عليه من الموت ثم إن الموت أهون مما بعده، وإنهم ليلقون من هول ذلك اليوم الشديد شدة عظيمة حتى يلجمهم العرق حتى إن السفن لو أجريت فيه لجرت”.

 قوله:” إمام عدل”، وهو الواضع للشيء في محله والمطيع والمنفذ لأحكام ربه، والمراد به كل من له نظر في شيء من أمور المسلمين من الولاة والحكام،  وقدم على ما بعده لعموم نفعه، وفي رواية للبخاري: الإمام العادل أي التابع لأوامر ربه الذي يضع كل شيء في موضعه من غير إفراط ولا تفريط،  وفي حديث أحمد والترمذي مرفوعا:” إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأدناهم منه مجلسا إمام عادل، وإن أبغض الناس إليه وأبعدهم منه إمام جائر”، وأخرج الطبراني في الكبير والأوسط بسند حسن مرفوعا:” يوم من إمام عادل أفضل من عبادة ستين سنة”، زاد في رواية:” قيام ليلها وصيام نهارها”، وجور ساعة في حكم أشد وأعظم عند الله من معاصي ستين سنة،  وأخرج مسلم وأحمد والنسائي مرفوعا:” إن المقسطين على منابر من نور يوم القيامة عن يمين الرحمان وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا” وأخرج البيهقي والبزار وغيرهما مرفوعا:” السلطان ظل الله في الأرض يأوي إليه  كل مظلوم من عباده، فإن عدل كان له الأجر وكان على الرعية الشكر، وإن جار أو حاق أو ظلم كان عليه الوزر وكان على الرعية الصبر، وإذا جارت الولاة قحطت السماء، وإذا أمنعت الزكاة هلكت المواشي، وإذا ظهر الزنا ظهر الفقر والمسكنة”، الحديث.

 قوله: “وشاب” أي ومن الأشخاص الذين يظلهم الله في ظل عرشه شاب نشأ في عبادة الله لأن عبادته أشق لغلبة شهوته عليه وكثرة الدواعي له على طاعة الهوى، فملازمة العبادة حينئذ أشد وأدل على غلبة التقوى، زاد في رواية:” حتى توفي على ذلك”، وفي رواية: وشاب أفنى شبابه ونشاطه في عبادة الله وفي حديث آخر : “أيما ناشئ نشأ في طلب العلم والعبادة حتى يكبر أي يظعن في السن أعطاه الله يوم القيامة ثواب اثنين وسبعين صديقا”، وأخرج الديلمى وابن السني  مرفوعا :” إن الله تعالى يباهي بالشاب العابد الملائكة يقول أنظروا إلى عبدي ترك شهوته من أجلي”.

 قوله : “ورجل قلبه معلق في المساجد”، أي بها يعني من شدة حبه لها وإن كان ليس فيها، وهو كناية عن انتظاره أوقات الصلاة فلا يصلي صلاة ويخرج من المسجد إلا  وهو ينتظر وقت صلاة أخرى حتى يصلى فيه، فهو ملازم للمسجد بقلبه وإن عرض لجسده عارض، وفي حديث الترمذي وابن ماجة وابني خزيمة وحبان والحاكم وصححه مرفوعا:” إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فأشهدوا له بالإيمان”، قال الله تعالى:” إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ  ” وأخرج ابن ماجة وابن أبي شيبة وابنا خزيمة وحبان والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين مرفوعا:” ما توطن رجل المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله إليه كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم”، وفي حديث آخر:” إن عمار بيوت الله هم أهل الله عز وجل”، وفيه أيضا “من ألف المسجد ألفه الله”.

 قوله : “ورجلان تحابا في الله”، أي لأجله لا لغرض دنيوي اجتمعا عليه أي على الحب في الله سواء كان اجتماعهما بأجسادهما حقيقة أم لا، وتفرقا عليه أي استمرا على محبتهما لأجله فلم يقطعهما عارض دنيوي حتى فرقهما الموت، وأخرج الطبراني مرفوعا:” ما تحابا رجلان في الله إلا وضع الله لهما كرسيا فأجلسا عليه حتى يفرغ الناس من الحساب”، وأخرج أيضا مرفوعا “إن في الجنة غرفا يرى ظواهرها من بواطنها وبواطنها من ظواهرها أعدها الله للمتحابين فيه والمتزاورين فيه والمتباذلين فيه”.

 قوله:” ورجل دعته – أي طلبته كما في رواية – امرأة ذات منصب – أي صاحبة – نسب شريف وجمال – أي حسن – إلى نفسها – أي إلى الزنا بها- فقال أي بلسانه زجرا لها إني أخاف الله”  أي عذابه وعقابه، والصبر على الموصوفة بما ذكر من الأصل والشرف والجمال المرغوب فيها عادة لعزة ما جمع فيها من أكمل المراتب لاسيما وقد أغنت عن مشاق التوصل إليها بمراودة ونحوها رتبة صديقيه ووراثة نبوية.

يتبع –