فضل الصحابة الكرام وما لهم علينا من حقوق للدكتور محمد كنون الحسني

فضل الصحابة الكرام وما لهم علينا من حقوق

إن من  أعظم نعم الله – تبارك وتعالى – على الإطلاق نعمة الإسلام دين الله – جل وعلا – الذي ارتضاه لعباده دِينًا؛ فقال جلّ وعلا -: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾، وهذا الدين القويم والصراط المستقيم الذي ارتضاه – تبارك وتعالى – لعباده قد اختار له – جلّ وعلا – نبيًّا كريمًا وداعيًا حكيمًا ومبلِّغًا أمينًا ألا وهو رسول الله سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – فبلَّغ الرسالة وأدّى الأمانة، ونصح الأُمّة، وجاهد في الله حقَّ جهاده؛ حتى أتاه اليقين، فما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًّا إلا حذّرها منه، فهو مِنَّة الله – جلّ وعلا – على عباده؛ قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾.

فنسأل الله – جلّ وعلا – أن يجزيه خير ما جزى نبيًّا عن أُمته على نُصحه لأُمته، وإبلاغه لدين الله – تبارك وتعالى – على التمام والكمال، ونسأله – جل وعلا – أن يحشرنا يوم القيامة تحت لوائه وفي زمرته – صلواته وسلامه عليه.

 ثم إن الله – جلّ وعلا – اختار لهذا النبي الكريم أنصارًا عدولاً، وصحابة كرامًا، عزّروه ونصروه وأيدوه – عليه الصلاة والسلام – وبذلوا مُهَجهم وأنفاسهم وأموالهم في سبيل نُصرته ونُصرة دينه – صلى الله عليه وسلم – ففازوا بكل فضيلة وسبقوا الأمة في الخيرية، وفازوا برضوان الله، قال الله – تعالى -: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾

فما أعلاها من منزلة، وما أشرفها من مكانة تبوَّأها الصحابة الكرام، ونالها هؤلاء العدول الخيار، شرَّفهم الله برؤية النبي الكريم – عليه الصّلاة والسلام – واستماع حديثه منه، ونُصرته – صلى الله عليه وسلم – فهم خير أمة سيدنا محمد – عليه الصلاة والسلام – وهم أنصار الملَّة وأعوان الدّين، وليوث الصدام وهُداة الأنام، ومبلغو دين الله إلى أمة سيدنا محمد – عليه الصلاة والسلام – لقد أثنى الله عليهم في كتابه وعدلهم ووثقهم، وبيَّن شرفهم وسابقتهم، وأخبر – تعالى – عن رضاه عنهم، ورضاهم عنه، أثنى عليهم ثناءً عطرًا ليس في القرآن فقط، بل أثنى عليهم – جلّ وعلا – في القرآن فقال: ﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ) .

وقال: عز من قائل: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم)، 

وأثنى عليهم النبي الكريم في أحاديث كثيرة منها  رواه الترمذي عن عبد الله بن مغفل قال: “سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه”.

وما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: “لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه“.

وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: “إن الله -عز وجل- نظر في قلوب العباد؛ فوجد قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه”.

وقد حكم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بالجنة لنفر كثير من الصحابة؛ فمنهم أهل بدر، كما أخرجه أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: “إن الله تعالى اطلع على أهل بدر؛ فقال: اعملوا ما شئتم؛ فقد غفرت لكم“. 

قال القرطبي: “هذا خطاب إكرام وتشريف تضمن أن هؤلاء حصلت لهم حالةٌ غُفرت بها ذنوبهم السابقة وتأهلوا أن يغفر لهم ما يُستأنف من الذنوب اللاحقة ولا يلزم من وجود الصلاحية للشيء وقوعه؛ فقد أظهر اللّه صدق رسوله -صلى اللّه عليه وسلم- في كل ما أخبر عنه بشيء من ذلك فإنهم لم يزالوا على أعمال أهل الجنة إلى أن فارقوا الدنيا وإن قُدِّرَ صدور شيء من أحدهم لبادر إلى التوبة“.

والصحابيَّ من لقي النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مؤمنا به ومات على ذلك؛ فعلى هذا فكل من كان مؤمنا ورأى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إن كان مبصرا أو لقيه إن كان أعمى؛ فهو صحابي قد نال شرف الصحبة.

يقول ابن حجر العسقلاني: (… وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به، ومات على الإسلام، فيدخل ذلك فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت).

 وخير هؤلاء الصحابة عشرة ذكرهم النبي – صلى الله عليه وسلم – في مجلس واحد وبشَّرهم بالجنة، ففي الترمذي وغيره بإسناد ثابت عن عبدالرحمن بن عوف – رضي الله عنه – قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد في الجنة، وعبدالرحمن بن عوف في الجنة، والزبير في الجنة، وعامر (أبو عبيدة بن الجراح) في الجنة))، فهؤلاء عشرة شهد لهم – صلى الله عليه وسلم – في مجلس واحد أنَّهم في الجنة، وخير هؤلاء العشرة الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وخير هؤلاء العشرة أبو بكر وعمر، وقد ثبت في صحيح البخاري عن عبدالله بن عمر – رضي الله عنه – قال: “كنا في زمن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نقول: خير أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم – أبو بكر ثم عمر، ويبلغ ذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلا ينكره”، وثبت في صحيح البخاري عن محمد ابن الحنفية، قال: قلت لأبي؛ يعني: علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – أيُّ صحابة النبي – صلى الله عليه وسلم – خير؟ قال: أبو بكر، قال: قلتُ ثم مَنْ؟ قال عمر، قال: قلت: ثم أنتَ؟ قال: ما أنا إلا واحد من المسلمين، بل ثبت عنه – رضي الله عنه – أنه قال كما في السُّنة لابن أبي عاصم: “لا يبلغني عن أحد أنه يفضلني على أبي بكر وعمر، إلا جلدته حدَّ المفتري”.

 إن الواجب علينا أُمّة الإسلام أن نعرفَ للصحابة فضلهم، ونحفظ لهم قدرهم، ونعرف لهم مكانتهم، فهم أنصارُ النبيِّ الكريم – عليه الصلاة والسلام – وحملة هذا الدين، وهم الأُمناءُ العدول الثِّقات الأثبات الذين بلَّغوا دين سمعوه من النبي – عليه الصلاة والسلام – وحفظوه ووعَوْه وبلغوه للأمة تامًّا صافيًّا نقيًّا بلا زيادة ونقصان، قالوا: هذا ما سمعناه من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ونبلِّغه لكم كما سمعناه، سمعوا فوعوا وأدّوا، وبلغوا ونصحوا – رضي الله عنهم وأرضاهم.

إن معرفة قدر الصحابة وما لهم من شريف المنزلة وعظيم المرتبة من أولى المهمات المتعلقة بصلاح العقيدة واستقامة الدين، ولذا كان علماء الإسلام يؤكدون في كتب العقائد على مكانة الصحابة في الأمة، ويذكرون في ذلك فضلهم وفضائلهم وأثرهم وآثارهم، مع الدفاع عن أعراضهم وحماية حياضهم؛ إذ الدفاع عنهم دفاع عن رسول الله ، فهم بطانته وخاصته، ودفاعا أيضا عن الإسلام، فهم حملته ونقلته.

قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته: “ونحبّ أصحاب رسول الله ، ولا نفرّط في حب أحدٍ منهم، ولا نتبرّأ من أحدٍ منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الحق يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان”.

 فمن الواجب علينا معشر المسلمين أن نحفظ لهؤلاء الأخيار قدرهم ونعرف لهم مكانتهم، وكيف  لا يُحفظ لهؤلاء قدرهم وهم حملة دين الله، بلَّغوا لنا ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونشروا دينه، ودافعوا عنه، وهم الذين نصحوا لعباد الله، فإذا طعن في الصحابة، فالدين ذاته مطعون فيه، ولهذا قال أبو زرعة الرازي: “إذا رأيتم الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فاعلموا أنه زنديق؛ لأن القرآن حقٌّ والدين حق، وإنما أدَّى إلينا ذلك الصحابة، وهؤلاء أرادوا أن يجرحوا شهودنا، فهم بالجرح أولى، فهم زنادقة”.

وإذا كانت المحبة مشروعة بين المؤمنين عامة، فمع هذا الجيل الطاهر الطيب أوجب واهم، إن حب الصحابة رضي الله عنهم دليل على الإيمان وأن بغضهم تهمة بالنفاق، فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله)، متفق عليه ومن حقوقهم الثناء عليهم باللسان، بما أسدوه من المعروف والإحسان ويشرع الدعاء لهم والترضى عنهم، كما ترضى الله عنهم في آيات تتلى إلي يوم القيامة ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ .

وقد كان السلف يعلمون أولادهم حب الصحابة وسيرتهم، قال الإمام مالك رحمه الله (كانوا يعلموننا حب أبي بكر وعمر كما يعلموننا السورة من القرآن)

إن الحديث والتذكير بصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو ما يستوجب في كل وقت وحين، وتكون الحاجة أكثر ما تكون: في زمن الحاجة للقدوات الفاضلة للشباب والناشئة وللرجال والكهول على حد سواء.

وتكون الحاجة لبيان فضلهم ومكانتهم واجبة أيضاً: رداً على الطوائف الضالة، وعلى رأسهم الرافضة الذين يتجرأون على سب الصحابة -رضي الله عنهم-؛ بل يكفرون طائفة منهم والعياذ بالله.

فمنهم من يشتم ويلعن أبا بكر الصديق أو عمر الفاروق أو عثمان بن عفان أو غيرهم -رضي الله عنهم أجمعين-، وانتقاص الأصحاب وذمهم هو ذم لمن اختارهم. وهل يختار أفضل البشر -صلى الله عليه وسلم- إلا أفضل الناس وأحسن وأخير الناس؟

إن سب الصحابة أو أحداً منهم أو انتقاصهم، هو منكر عظيم وكبيرة من كبائر الذنوب، وقدح في الدين، وتكذيب للقرآن الكريم وللرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-.