الدعوة إلى الرفق ونبذ العنف وخاصة ضد النساء -2 – للدكتور محمد كنون الحسني

 

  • الدعوة إلى الرفق

    ونبذ العنف وخاصة ضد النساء

    • – 2

تحدثنا في العدد الماضي عن الرفق بشتى أنواعه واستعرضنا موقف الشرع منه، ودعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفق والحلم والتسامح، ونخص حديثنا اليوم لقضية العنف ضد المرأة الذي يأخذ عدة أشكال منها المادية والمعنوية، وحسب تعريف الأمم المتحدة فإن العنف ضد المرأة هو السلوك المُمارس ضد المرأة والمدفوع بالعصبيّة الجنسية، مما يؤدّي إلى معاناة وأذى يلحق المرأة في الجوانب الجسديّة والنفسيّة والجنسيّة، ويُعدّ التهديد بأي شكل من الأشكال والحرمان والحد من حرية المرأة في حياتها الخاصة أو العامة من ممارسات العنف ضد المرأة.

إن العنف ضد المرأة انتهاك واضح وصريح لحقوق الإنسان؛ إذ يمنعها من التمتع بحقوقها الكاملة، وله عواقب و آثار اجتماعيّة واقتصاديّة خطيرة. وهذا النوع من العنف لا يَعرف ثقافة أو ديانة أو بلداً أو طبقة اجتماعيّة بعَينِها، بل هو ظاهرة عامة نجدها في كافة المجتمعات وفي جميع البلدان، فالإحصائيات شاهدة على تعنيف النساء في الشرق والغرب، وإفريقيا وأروبا وأمريكا، بل إن بعض البلدان الأوربية تنتشر فيها هذه الآفة بشكل كبير.  

والعنف ضد النساء لا ينحصر في شكل واحد، بل يأخذ صورا مختلفة  منها:

  • العنف الجسدي: الذي هو أكثر أنواع العنف انتشاراً ضد المرأة، وعادةً ما يكون من طرف زوجها أو أحد أفراد عائلتها من الذكور، ويشمل هذا النوع جميع أنواع الأذى الجسدي الذي يَلحق بالمرأة، سواء كان اعتداء بالضرب أو باستخدام آلة، وتترتب على العنف الجسدي مخاطر صحيّة ونفسية كبيرة للضحية، وقد يتسبّب في بعض الأحيان بوفاة الضحيّة نتيجة القوة المُفرِطة والضرب المُبرِح الذي تعرّضت له. كما يشمل العنف الجسدي  جرائم الشرف التي تُرتَكَب بحق المرأة في حال التشكيك بعفّتها من قِبَل أحد أفراد أُسرتها الذكور.
  • العنف اللفظي والنفسي: هو العنف المُمارَس ضد المرأة من خلال ألفاظ مُهينة أو شتائم تنتقص من قدرِها، بالإضافة إلى التهديد اللفظي وسوء المعاملة والتهديد بالطلاق خاصة إذا كانت المرأة عديمة الدخل وفقيرة،
  • العنف الجنسي: يأخذ هذا العنف أشكالاً عديدة منها العلاقات التي تفرض بالإكراه والاغتصاب والشدود، كما يدخل ضمنها التحرش الجنسي المسلط على المرأة في الشارع والأماكن العامة والإدارات وغيرها .
  • العنف الاقتصادي: هو العنف الذي يمنع المرأة من الحصول على استقلاليتها الاقتصادية، وإبقائها تابعة لأحد أفراد أُسرتها، ويشمل هذا النوع من العنف حرمان المرأة من التعليم والعمل والتدريب مما يؤهلها لدخول سوق العمل، وحصر مجال عملها داخل المنزل فقط، مما فيه انتهاك لحق المرأة بالعمل والحد من حريتها في اختيار عمل ما تُحب.

وتتعرض المرأة للعنف لعدة أسباب، قد يجتمع عدد منها في الوقت نفسه وتتشابك، مما يؤدي إلى أذية المرأة بشكل أكبر وأعنف سواء من الناحية النفسيّة أو الجسديّة، وترجع أسباب العنف ضد المرأة إلى عدة أسباب منها:

  • أسباب اجتماعية: وتشمل تدني مستوى التعليم وتفشي الجهل بين أفراد المجتمع، وسهولة التأثُّر في المعتقدات الخاطئة المُتعلقة بشرف العائلة والعفاف والتي تنتشر في المجتمع والبيئة المُحيطة، إلى جانب تبنّي وجهات النظر الداعية إلى فرض القوة الذكورية والتي تظهر على شكل العنف الجسدي والجنسي على حد سواء.
  • أسباب نفسية: إنّ العوامل النفسية التي تشكلّت في شخصيات مُرتكبي العنف ضد المرأة في الصِغَر تؤثر بشكل كبير في سلوكياتهم والتي تظهر على شكل سلوك عدائي في الكِبَر؛ ومن أبرز هذه العوامل النفسية تَعرُّض مُرتكب العنف للإيذاء بأي شكل من الأشكال في طفولته، أو وجوده في بيئة أُسرية تنتشر بها حالات تعنيف الأبوين، أو اعتداء الأب على الأم بأي شكل من الأشكال.
  • الدوافع الاقتصادية: أي الضغوطات الاقتصادية التي تُعاني منها شريحة واسعة من المجتمع، وتدني المستويات المَعيشية، وتفشّي البطالة والفقر، حيث تُشكل هذه الأسباب مُجتمِعَة ضغوطات نفسيّة كبيرة على مُعيلي الأُسرة، التي تتصادم في كثير من الأحيان مع نزعة المرأة الاستهلاكية.

وللعنف ضد المرأة آثارا وخيمة كثيرة نذكر منها:

  • الآثار الصحية: مثل الإصابات الخطيرة، والكدمات والجروح.
  • الآثار النفسية: مثل الاكتئاب الحاد والاضطراب النفسي.
  • الآثار الاجتماعية: مثل الاضطرابات الأُسرية التي بدورها تنعكس على الأطفال وتؤدي إلى إصابتهم بعدم استقرار نفسي وعاطفي، وهو ما يؤثر في سلوكاتهم المجتمعية في مراحل متقدمة من العمر.
  • الآثار الاقتصادية: يُشكل العنف ضد المرأة عائقاً كبيراً أمام ممارستها دورها الفاعل في المجتمع؛ واستثمار قدراتها في الدفع الاقتصادي للمجتمع.

وللتصدي لهذه الظاهرة يجب على جميع أفراد المجتمع التكافل فيما بينهم بشكل كبير، وتبدأ الوقاية من المناهج الدراسية التي يجب أن تضم برامج للتعريف بالعنف ضد المرأة وحمايتها منه، ونشر الوعي الصحي والثقافي حول هذا الموضوع، إلى جانب الخطط الاقتصادية التي تُمكّن المرأة من تعزيز دورها في المجتمع وإبرازها كعضو فاعل فيه، وتشجيع الاستراتيجيات الوطنية التي تعزز المساواة بين الرجل والمرأة وتقديم فرص مُتساوية لكل منهما.

وأخيراً جمع المعلومات حول الأرقام الدقيقة لظاهرة العنف ضد المرأة لمعرفة ما هي الخطوات الصحيحة التي يجب اتخاذها.