بمناسبة اليوم العالمي للمرأة للدكتور محمد كنون الحسني

ٍ

بمناسبة اليوم العالمي للمرأة

يحل هذا الأسبوع  اليوم العالمي للمرأة، وهو اليوم الثامن من شهر مارس  الذي يحتفل فيه نساء العالم بالإنجازات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي حققنها، وفي بعض الدول كالصين وروسيا وكوبا تحصل النساء على إجازة في هذا اليوم.

ففي سنة 1857 خرج آلاف النساء للاحتجاج في شوارع مدينة نيويورك على الظروف اللا إنسانية التي كن يجبرن على العمل تحتها، مما دفع المسئولين السياسيين إلى طرح مشكلة المرأة العاملة على جداول الأعمال اليومية، كما أنه تم تشكيل أول نقابة نسائية لعاملات النسيج في أمريكا بعد سنتين على تلك المسيرة الاحتجاجية. وفي الثامن من مارس من سنة 1908 عادت الآلاف من عاملات النسيج للتظاهر من جديد في شوارع مدينة نيويورك لكنهن حملن هذه المرة قطعا من الخبز اليابس وباقات من الورود في خطوة رمزية لها دلالتها واخترن لحركتهن الاحتجاجية تلك شعار “خبز وورود”. حيث طالبت المسيرة هذه المرة بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل الأطفال ومنح النساء حق الاقتراع. وقد شكلت مُظاهرات الخبز والورود بداية تشكل حركة نسائية تطالب بالمساواة والإنصاف، والحقوق السياسية وعلى رأسها الحق في الانتخاب.

ثم بدأ الاحتفال بالثامن من مارس كيوم المرأة الأمريكية تخليدا لخروج مظاهرات نيويورك سنة 1909 وقد ساهمت النساء الأمريكيات في دفع الدول الأوربية إلى تخصيص الثامن من مارس كيوم للمرأة وذلك في مؤتمر كوبنهاكن بالدانمرك الذي استضاف مندوبات من سبعة عشر دولة وقد تبنى اقتراح الوفد الأمريكي بتخصيص يوم واحد في السنة للاحتفال بالمرأة على الصعيد العالمي بعد نجاح التجربة داخل الولايات المتحدة. حيث ثم تعميم الاحتفال بهذه المناسبة على إثر عقد أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي والذي عقد في باريس عام 1945.كما ثم تخصيص يوم الثامن من مارس كعيد عالمي للمرأة بعد تبني  منظمة الأمم المتحدة ذلك  سنة 1977 عندما أصدرت المنظمة الدولية قرارا يدعو دول العالم إلى اعتماد أي يوم من السنة يختارونه للاحتفال بالمر، فقررت غالبية الدول اختيار الثامن من مارس.. كما أن الأمم المتحدة أصدرت قرارا دوليا في سنة 1993 ينص على اعتبار حقوق المرأة جزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان وهو ما اعتبرته الكثير من المدافعات عن حقوق النساء حول العالم تنقيصا من قيمة المرأة عبر تصنيفها خارج إطار الإنسانية.

وما يهمنا نحن من هذا اليوم هو تكريم المرأة وتعظيمها ووضعها في المكانة التي وضعها فيها الإسلام منذ بزوغ نوره وسطوع شمسه، حيث وضع الميزان الحق لكرامتها ومنحها حقوقها الكاملة، ورفع عن كاهلها وزر الإهانات التي كانت ترزح تحتها عبر التاريخ وفي ظل الحضارات القديمة.

فلم يفرق الإسلام بين الرجل والمرأة ولا نظر إليه بعين الجلالة ولا إليها بعين الاستهانة، بل هما خلقان متساويان في الحقوق وفي الخلافة في الأرض، ولكل منهما مكانته ودوره الذي ينسجم مع طبيعة خلقه، بل إنه وضع الميزان الحق لكرامة المرأة ومنحها حقوقها الكاملة، ورفع عن كاهلها وزر الإهانات التي كانت ترزح تحتها عبر التاريخ وفي ظل الحضارات القديمة، لقد أعلن إنسانيتها الكاملة وصانها من عبث الشهوات وجعلها عنصرا فعالا في بناء المجتمع وتطوره بعد أن كانت مجرد متاع ووسيلة من وسائل الإستمتاع .فقد نادى بالمساواة بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات وجعلها في مكانتها الاجتماعية التي تستحقها بما يتفق مع رسالتها العظيمة التي خصصتها لها الحياة الطبيعية، منحها حقها في الحياة الحرة الشريفة بعد أن كانت تدفن حية خوفا من الفقر والعار، منحها حقها في اختيار زوجها وجعل لها عليه حقوقا بعد أن كانت كالمتاع يتصرف فيها الرجل كيف يشاء ويفعل بها ما يريد، حيث كان الرجل إذا مات وله زوجة وأولاد من غيرها كان الولد الأكبر أحق بزوجة أبيه من غيره إن أرادها أخذها واعتبرها إرثا كبقية أموال أبيه ليس لها حق الامتناع أو الرفض، وإن أباها تركها لمن يطلبها. منحها حقها في الإرث بعد أن كانت مهضومة هذا الحق في الجاهلية وفي جل الديانات السابقة. وقبل الحديث عن الحقوق التي منحها الإسلام للمرأة ومتعها بها، لابد أن أشير إلى أن قضية المرأة طرحت في فكرنا المعاصر باعتبارها جزءا من المشكل الاجتماعي والثقافي في مجتمع يسوده الانحطاط والتخلف، ويحكمه نظام لم يعد قادرا على مسايرة التطور والتقدم، حيث تبدو المرأة من خلال بعض الكتابات النسائية الحديثة مبخوسة الحق مظلومة من طرف المجتمع، وهي فوق ذلك مقيدة بقيود الإسلام، رازحة تحت أحكامه، مذعورة متمردة عليه، فهو المسؤول عن معاناتها وعن ظلمها وبخسها حقها، وهذا الوضع الذي يحيى فيه نصف المجتمع كفيل بتأخره وتخلفه، فكيف تتقدم أمة ونصفها الثاني معطل مقيد. وهذه النظرة السلبية إلى الإسلام مردها إلى الوضع المزري الذي تحياه المرأة في المجتمعات الإسلامية باسم الإسلام، وما تعانيه المرأة من هضم لحقوقها وتعطيل لطاقاتها باسم الإسلام، والحقيقة أن معاناة المرأة هي في الحقيقة من عدم تطبيق الشريعة الإسلامية، ولما جاءت به الآيات والأحاديث، ولما استنبط علماء السلف من الأحكام، ومن التلاعب بالنصوص الشرعية، ومن قصور في فهم أحكام الإسلام وتحريف لمقاصده وغاياته، ومن المساطير والقوانين الوضعية التي تبعد الحق عن أصحابه وتفتح الباب أمام المتلاعبين بحقوق النساء، إنها معاناة من الابتعاد عن تعاليم الإسلام وأسسه، والانسياق وراء المذاهب الهدامة التي تحاول التقليل من أهمية الإسلام ووصفه بالقصور والعجز عـن حل مشاكل المرأة .

 إن قراءة النصوص التشريعية قراءة صحيحة بعيدة عن أي تعصب أو تحيز، وتأويلها التأويل الصحيح يجعلنا نقف على مكانة عالية للمرأة وضعها الإسلام فيها، وعلى مساواة حقيقية بينها وبين الرجل في جميع مناحي الحياة.