
العفو والصفح
العفو والصفح
العفو و الصفح من أهم الفضائل التي تحلى بها الرسل و الأنبياء، وهما متقاربان في المعنى . ففي لسان العرب : العفو مصدر (عَفَا يَعْفُو عَفْوًا، فهو عافٍ وعَفُوٌّ، والعَفْوُ هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه، وأصله المـحو والطمس، وعفوت عن الحق: أسقطته، كأنك محوته عن الذي عليه) .
والصفح مصدر (صَفَحَ عنه يَصْفَح صَفْحًا: أَعرض عن ذنبه، وهو صَفُوح وصَفَّاحٌ عَفُوٌّ، والصَّفُوحُ الكريم؛ لأنه يَصْفَح عمن جَنى عليه ).
وفي الاصطلاح قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : (العفو: ترك المؤاخذة بالذنب. والصفح: إزالة أثره من النفس. صفحت عن فلان إذا أعرضت عن ذنبه).
ولو تأملنا آيات الذكر الحكيم لوجدناها مليئة بالعبارات الصريحة و الإشارات الواضحة الدالة على تبني القرآن الكريم لمعان الصلح و العفو . فهذا سيدنا يوسف عليه السلام قد جسد صفة العفو و الصفح مع إخوانه ، حيث ورد في القرآن الكريم أنه كان في وضع يسمح له بالانتقام من إخوته الذين آذوه إلا أنه لم يعاقبهم ولم يوبخهم ، بل أقدم على مساعدتهم ومعاملتهم معاملة حسنة يطبعها التسامح و العفو و الصفح كما ورد في الآية الكريمة : ( قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين …) .
ففي قصة يوسف عليه السلام دلالة صريحة على العفو و الصفح ، فالمؤمن الذي يكبت غضبه ويعفو ويصفح عن من أغضبه ويحسن إليه بنية كسب الأجر و الثواب في الآخرة يبشره الله في الآية الكريمة ( وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين) فكان العفو و الصفح من الأعمال الصالحة .
كما ندب القرآن الكريم إلى الصفح و العفو بقوله تعالى (فاصفح الصفح الجميل ) ،وقال أيضا ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) يقول الإمام القرطبي : “خذ العفو دخل فيه صلة القاطعين و العفو عن المذنبين و الرفق بالمؤمنين “.
و السيرة النبوية حافلة أيضا ، بمظاهر العفو و الصفح وفعل الخير ، فقد أحاط الرسول صلى الله عليه وسلم العالم بأسره بالعفو و الصفح لأنه أرسل رحمة للعالمين . فكان صلى الله عليه وسلم نموذجا مثاليا في العفو و الصفح يوم فتح مكة حيث كان المشركون قد ظلموا المسلمين لسنوات طويلة وأروهم كل أشكال العذاب بدون رحمة ، ثم لما وقعوا أسرى في يد المسلمين سألهم الرسول صلى الله عليه وسلم :” يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم ؟ قالوا : خيرا ، وابن أخ كريم فإني أقول لكم كما قال أخي يوسف لإخوته “لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ” .
فبهذه الصفات النبيلة ، و الخصال الرفيعة التي تعبر عن العفو و الرحمة و الصفح تلاشى البغض و الحقد في قلوب أهل مكة تجاه المسلمين ، و التي بسببها نال الكثيرون شرف الدخول في الإسلام.
فحري بالمسلم أن يتحلى بهذه الصفات الحميدة ، فالحكمة الحقيقة من كل ما سبق ،هي السيطرة على النفس في وقت الغضب ، و العفو و الصفح في وقت يملك فيه الإنسان القدرة على الانتقام ، فالشديد ليس بالصرعة كما في الحديث الشريف وإنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب .فلا يليق بالمسلم أن يجعل المسامحة و العفو وقفا على الأعياد و المناسبات الدينية، بل إن اتخاذ تلك الصفات نمطا طبيعيا ونهجا عاديا في الحياة هو سبيل إلى الألفة و المودة بين أفراد المجتمع ، وسبب لاكتساب الرفعة و المحبة عند الله وعند الناس.