![](https://majlisilmi-tanger.ma/wp-content/themes/publisher/images/default-thumb/full.png)
انتقاد المعتزلة
د. محمادي الخياطي
وبسبب التأثير المباشر والظاهر للأسباب والوسائط، نسبت الأفعال إليها، ولهذا، ولغيره من الأسباب، قالت المعتزلة قولتهم المشهورة: الإنسان يخلق أفعاله.
وفهم ابن برجان من آية: “كلا نحد، هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك”[1] أن الأفعال كلها مخلوقة لله سبحانه، خيرها وشرها. وليس للإنسان إلا الاكتساب، بعد قدرة الله ومشيئته وإذنه. “إن الحسنات خلق لله، واكتساب للعبد، لكن بعد قدرته وإذنه وإرادته، والسيئات كذلك”[2] لكنه يستدرك أن الله يرضي الحسنات، ولا يرضي السيئات.
وفي نفي نسبة خلق الشر إلى الله – سبحانه – ينتقد ابن برجان المعتزلة، في شخص أحد مؤسسي المذهب الاعتزالي، عمرو بن عبيد،[3] الذي من آرائه، كما هو معروف، نفي نسبة خلق الشر إلى الحق، سبحانه، تنزيها له عما لا يليق بجلاله، اعتمادا على قراءة “شر” بالتنوين، من آية: “من شر ما خلق”[4].
“وقرأ عمرو بن عبيد[5] “من شر ما خلق”بالتنوين للراء، ويجعل ما نافية[6]، … وتبعه على هذه القراءة المعتزلة، تعالى الله عن قبيح أفكهم، في قولهم: “إن الله لم يخلق الشر” كلمة مجوسية، الله خالق كل شيء، وهو الواحد القهار، “والله خلقكم وما تعملون”[7] ومن أعمالنا الخير والشر، نستغفر الله من فعلنا الشر، ونحمده ونشكره على فعلنا الخير”[8].
ومما يقوي نزعة ابن برجان الأشعرية، أو على الأقل التقاءه معهم، وتبنيه لآرائهم، أننا لا نعثر في تفسيره على أي انتقاد لهم، في حين تعددت انتقاداته للمعتزلة، تصريحا وتلميحا، وأحيانا بصورة قاسية. على غير عادته في اختيار ألفاظ محاورة مخالفيه من العلماء.
وفي تفسير آية: “أمن جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه”[9] جعلهم من الطوائف الضالة، الذين تتوجه إليهم هذه الآية، بعد أن أدخلهم في أهل القبلة “طائفة من أهل القبلة. هم القدرية”[10].
وفي تفسير آية: “قل من رب السماوات والأرض قل الله”[11]. يجمعهم مع الثنوية
والحشوية والمجوس، ويرى في الحجج المستخلصة من الآية ردا عليهم جميعا “وهذا رد على الثنوية والحشوية والمجوس، والقدرية من أهل الغفلة، أبعدهم الله”[12].
وينتهي في انتقادهم إلى وصفهم بأقبح بل أقسى الأوصاف “مجوس هذه الأمة”[13].
وهذا جزء ن حديث، اشتهر على ألسنة خصوم المعتزلة، بصيغ مختلفة، تتفق في وصفهم بالمجوسية.
وقد تكلم فيه علماء الحديث، وبينوا ضعفه أو وضعه، وانتهى فيه المحقق عبد الرحمان المعلمي اليمني، بعد تعليق طويل، إلى أن “هذا الخبر يتعلق بعقيدة كثر فيها النزاع واللجاج، فلا يقبل فيها ما فيه مغمز، وقد قال النسائي، وهو من أكابر أيمة السنة: هذا الحديث باطل كذب”[14].
وهذا النقد القاسي من ابن برجان يحمل على اعتقاد أنه نتيجة صراع مذهبي كان يخوضه، لكن المعروف عن التسارات الفكرية، في عصر ابن برجان، بالأندلس، لاتزكي هذا الاعتقاد، إضافة إلى طبيعة ابن برجان المسالمة/ المفضلة للإصلاح والإرشاد برفق وهدوء، والمبتعدة عن الخصومات الكلامية، يتجلى ذلك في كثير من ردوده على المختلفين معه.
يضاف إلى ذلك أيضا أن المذهب الاعتزالي بالأندلس، في هذه المرحلة، لم يكن منتشرا وقويا بالشكل الذي يسمح له بفتح صراعات مذهبية.
وقد يزكي هذا الاحتمال الأخير، ابن رشد في حديثه عن طوائف أهل الملة، في العقائد الشرعية، قال عن المعتزلة: “لم يصل إلينا، في هذه الجزيرة من كتبهم شيء نقف منه على طرقهم التي سلوكها في هذا المعنى”[15].
ويبقى أن نفترض أن انتقاداته القاسية هذه صدرت عن اقتناع شخصي عقدي، دفاعا عن عقيدته السنية الصوفية، التي يلتقي فيها مع الاتجاه الأشعري، ولا تتعارض – في مجملها – مع الاتجاه السلفي عند المحدثين.
هذا، ومما يمكن استخلاصه من عرض منهج ابن برجان في عرض منحاه العقدي:
1- أنه يزاوج بين الفهم الصوفي والمنهج الكلامي في صورته الأشعرية.
2- أن ذلك التزاوج جاء – على الأرجح – نتيجة دراسته العقائد الإسلامية بالمنهج الكلامي الأشعري.
3- أنه لم يتعصب لمذهبه الأشعري، بل انفتح على المنهج السلفي في فهم الصفات الإلهية وفي نظرية الكسب.
4- أن ذلك يظهر تميزه في كل ما قدم من فهم واستنباط، ويعطي لتصوفه طابعه المتميز.
5- وعلى افتراض صحة هذه النتائج فيمكن وصف منهجه الصوفي بأنه يحاول التوفيق بين الفهم الصوفي والفهم السلفي والاتجاه الأشعري، ويتجنب الانتقادات التي توجه لكل من المنهج الكلامي الجاف، والمنهج التقريري في حالة استخدامها منفصلين.