علماء المدينة

إن تاريخ هذه المدينة التي نعيش بين أسوارها حافل بالأمجاد ملئ بالعلماء الكبار الذين طالهم النسيان، فهي مدينة استقبلت عقبة بن نافع عند الفتح الأول، ثم جاءها موسى بن نصير واتخذها أول مركز لتعليم مبادئ الإسلام، وإليها شد المولى إدريس الأول الرحال ناشرا علمه وصلاحه، وفيها أقام كبار العلماء والصلحاء عبر تاريخها الطويل من أمثال: عبد المنعم بن عبد الله بن علوش المخزومي الطنجي، ومروان بن عبد الملك بن سمجون اللواتي الطنجي، وعلي بن عبد الغني الفهري القيرواني في العصر المرابطي، وعبد الجليل بن موسى الأنصاري الأوسي، وابن صاف محمد اللخمي الإشبيلي الطنجي في العهد الموحدي، وأبي عمران يوسف بن محمد الطنجي ومحمد بن محمد الطنجي، ومحمد بن عبد الله بن محمد الهبطي، في العصر المريني ، وهكذا عبر العصور والأجيال إلى أن نصل إلى عهد الشرفاء العلويين الذين شجعوا العلم والعلماء وخصصوا منحا سنوية للعلماء الذين يجلسون للتدريس بالمسجد الأعظم ، وأشرفوا على بعضها بحضورهم وسط مجموعة من الأعيان، فقد حدثتنا كتب التاريخ أن السلطان مولاي عبد العزيز كان يحضر دروس الشيخ عبد الله بن ادريس السنوسي في صحيح البخاري بالمسجد الأعظم، أو مسجد مرشان ، ودروس الفقه وشرح البخاري للشيخ محمد الخصاصي بضريح سيدي المصمودي بالجبل.وفي هذه الفترة نبغ بين أحضانها عدد جم من العلماء والأدباء وقصدها وأقام بها كثير من الفقهاء والصلحاء والمجاهدين نذكر منهم محمد العياشي اسكيرج، محمد بن تاويت الطنجي، وعلماء العائلة الكنونية بدءا بشيخيها القادمين من فاس عبد الصمد ومحمد كنون وانتهاء بعالم المغرب وقطبه عبد الله كنون، والعائلة الصديقية بدءا بقطبها الشيخ محمد بن الصديق الغماري وانتهاء بآخر من رحل عنا من أعلامها العلامة الحسن بن الصديق رحمهم الله جميعا.

ونحن حين نستحضر هذه الأسماء البارزة ومن جايلها أو جاء بعدها من العلماء والأدباء، نستحضر دائما صورة العالم المسلم الذي يقف للخطابة، ويجلس للدروس والتعليم، ويتجند للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر امتثالا لأمر دينه وتأدية لأمانة العلم التي في عنقه، متشبتا ببيعته الشرعية وعاملا من أجل الدفاع عن ثوابت بلده ومقدساتها، وتأطير المواطنين وتعبئتهم للدفاع عن دينهم ووطنهم وهويتهم، بنضج فكري وعمل جاد نافع دؤوب مترفع عن الصغائر والسفاسف، وماض بعزيمة وثبات على طريق الحق والنور المبين، حيث كانت لتوجيهاتهم ودعوتهم تلك القوة الروحية العظيمة المطهرة للنفوس الشاحدة للهمم، تلك القوة التي تؤهل المسلم للعطاء والبدل في سبيل الله وإعلاء كلمته، والحفاظ على وحدة المسلمين واستقرارهم عملا بأمانة العلم وتأدية لعقد البيعة التي في عنقهم.
إن هاته السلسلة الذهبية والكوكبة المرضية من العلماء والصلحاء تفرض علينا الاعتراف ببعض أفضالها وذكر بعض مثالبها واستحضار بعض مواقفها لعلنا نفي بشيء من الجميل الذي في عنقنا.

انطلاقا من هذه المسؤولية قرر المجلس العلمي بطنجة أن يعقد ندوات موسمية للتعريف بهؤلاء العلماء وذكر فضائلهم والنبش في تراثهم تكريما لهم وتفضيلا، واعترافا بفضلهم وحسن صنيعهم بهذه الأمة، فعلى رأس كل ثلاثة أشهر سنقيم ندوة بحول الله لتكريم أحدهم نستدعي لها أهل العلم والاختصاص للنبش في الذاكرة واستحضار التاريخ والمواقف.